للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* ومنهم من قال: يتوضأ من أكله بكل حال سواء مسته النار أو لم تمسه، وإلى الثاني ذهب أحمد وهو القديم من قول الشافعي.

فأما من قال: لا وضوء من لم الجزور، فتمسك بحديث جابر بن عبد الله: كان آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك الوضوء مما مست النار، وما في معناه من الأحاديث السابقة في الباب.

قال أبو (١) عمر: وأما مالك والشافعي وأبو حنيفة والثوري والليث والأوزاعي فكلّهم لا يرون في شيء مما مسته النار وضوء على من أكله، وسواء عندهم لحم الإبل في ذلك وغير الإبل.

لأن في الأحاديث الثابتة: أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكل خبزًا ولحمًا، وأكل كتفًا، ونحو هذا كثير: ولم يخص لم الجزور من غيره، وصلى ولم يتوضأ، وهذا ناسخ رافع عندهم لما عارضه (٢). ثم ذكر (٣) عن حماد بن زيد قال: سمعت أيوب يقول لعثمان البتي: "إذا سمعت أبدًا اختلافًا عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، أو بلغك فانظر ما كان عليه أبو بكر وعمر فشدّ به يدلّ" (٣). في آثار كثيرة في معناه، والجواب بأن العمومات في الوضوء تعارضه بالعمومات في ترك الوضوء. وقول جابر: كان آخر الأمرين ترك الوضوء يقابله قول عائشة: كان آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الوضوء مما مست النار. وإن أمكن الترجيح هناك بصحة إسناد، أو عمل صحابي، أو ما أشبه ذلك في أحد الطرفين، وألفينا لأحد العامين على الآخر، فحديث الوضوء من لم الجزور خاص لا معارض له، والخاص مقدّم على العام (٤)، فيعمل به في موضعه ويبقى


(١) التمهيد (٣/ ٣٥١).
(٢) التمهيد (٣/ ٣٥١).
(٣) أي ابن عبد البر (٣/ ٣٥٣).
(٤) انظر شرح صحيح مسلم للنووي (٤/ ٢٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>