للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقائل يقول: أطلق السلفُ الورعَ في المباح، فنفيه عنه (١) خلافُ الإجماع، لكنه لم يتخلص في سؤال التناقض.

والحقُّ: أن المباح يطلق على الفعل الذي سلمت العاقبةُ من أدائه إلى محظور، حتى يُفرض فيه أن الصادق قال لصاحبه: خيرتك فيه، فإنه لا يؤدي في حقك إلى محظور ولا مكروه، فهذا لا يختلفون أنه لا ورع فيه.

ويطلق أيضاً جِنْساً للأمر الذي إن سلمت العاقبة (٢) فيه، فهو مباح، وإن أفضت فيه إلى خلاف المباح، فليس بمباح، فهذا الجنس مباحٌ باعتبار ذاته، غيرُ مباح على تقدير أدائه إلى خلافه، وفيه دخلَ الورع، وإليه الإشارة بقوله -عليه السلام-: "أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ زِينَةُ الدُّنْيَا" (٣)؛ فإن زينة الدنيا هي جنس المباح، ومع ذلك خافها؛ لأدائها غالباً إلى خلاف المباح؛ من اعتيادِ حُب الإكثار، وحملِ العادة على الكسب من الحل والحرام.

ووقعت للسائل شبهةُ منكري (٤) الورع؛ لأنه تعجَّب من كون الدنيا مباحةً وخيراً، ثم خافَ منها الشرَّ الذي هو المحظور، فتعجب من وصفها بالوصفين: الخيرِ والشرِّ، وذهل عن الحال والمال، حتى بينه -عليه السلام- بالمثال، وذلك أن الخصب خير، و (٥) مفروح به بالقول المطلق،


(١) في "م" و"ج": "عن".
(٢) في "م": "المعاقبة".
(٣) رواه مسلم (١٠٥٢) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(٤) "منكري" ليست في "ن".
(٥) "و" ليست في "ع".

<<  <  ج: ص:  >  >>