للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فانظروا لأنفسكم"، فهذا اللفظ في غاية التعظيم والإرهاب، ومع ذلك عده عمر -رضي الله عنه- تجسُّساً، وموجِباً للقتل.

قلت: ليس في هذا الحديث تعليلُ عمرَ عزمَه على قتل حاطب بالتجسس (١)، وإنما فيه إيماءٌ إلى تعليل ذلك بالنفاق، ثم قوله -رضي الله عنه- مشكلٌ؛ وذلك لأنه قال مقالته تلك (٢) بعد شهادة الصادقِ المصدوق لحاطب بأنه ما فعل ذلك كفراً ولا ارتداداً، ولا رضي بالكفر بعد الإسلام، وهذه الشهادة نافية للنفاق قطعاً، فبعضهم قال: إنما أطلق عليه عمر ذلك؛ لأن ما صدر عنه يشبه فعلهم؛ لأنه باطَنَ (٣) الكفارَ بخلاف ما يُظهر.

وقيل: يحتمل أنه قاله قبل قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "قَدْ صَدَقَكُمْ"، وهذا يبعده سياقُ الحديث لمن تأمله.

وقيل: يريد أنه وإن صدق، فلا عذر له، وإنما عذر له النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه كان متأولًا، ولا ينافق بقلبه.

وعلى الجملة: فمن عذره النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وشهد بصدقه (٤) يجب على كل أحدٍ قَبولُ عذره وتصديقُه، والتماسُ أحسنِ المخارج له (٥).

(وما يدريك لعل الله اطَّلَع على أهل بدرٍ، فقال: اعملوا ما شئتمِ، فقد غفرتُ لكم): معنى "يدريك": يُعْلِمُك، "ولعلَّ" للترجِّي، لكنه محقَّق


(١) في "ج": "بالتجسيس".
(٢) "تلك" ليست في "ع".
(٣) في "ع": "لأنه باطن باطن".
(٤) في "ع": "وشهد تصدقه".
(٥) "له" ليست في "ع".

<<  <  ج: ص:  >  >>