للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

باب السُّلْفَةِ في الطَّعَامِ، إلى آخِرِ بَابِ الحكْرَةِ

ورَوَى ابنُ عبَّاسٍ عَنِ النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ قَالَ: "مَنْ سَلَفَ في تَمرٍ فَلْيُسْلِفْ في صِنْفٍ معلُومٍ، وكَيْلٍ مَعلُومٍ، وأَجَلٍ معلُومٍ" (١).

بهالَ أَبو المُطَرِّفِ: هذا الحَدِيثُ أَصلٌ في السَّلَمِ، فإذا لَمْ يَحضَرِ السَّلَمُ بالصِّفَةِ والكَيْلِ والأَجَلِ دَخَلَهُ الغَرَرُ، لأَنَّ المُشْتَرِي لَا يَدرِي حِينَئِذٍ مَا اشْتَرَى، ولَا البَائِعُ مَا بَاعَ، ولَا يَنرِي البَائِعُ مَتَى يَدفَعُ، ولا المُشْتَرِي مَتَى يَقبِضُ، وكَذَلِكَ إذا لم يُقَذمُ المُشْتَرِي رَأْسَ المَالِ دَخَلَهُ الدَّيْنُ بالدَّيْنِ، وقد رُخِّصَ في أَنْ يَتَاَخَّرَ رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ اليومَ واليَوْمَيْنِ بعدَ عَقْدِ الصفْقَةِ.

قالَ أَبو المُطَرِّفِ: إنَّمَا جَازَ بَيعُ الزرعِ إذا يَبَسَ لأَنَّهُ قَدْ سَلِمَ مِنَ العَاهَاتِ، وأَمَّا قَبْلَ أَنْ يَتِمَّ وَييْبَسَ فَشِرَاؤُهُ غَرَرٌ، إذ لَا يدرِي هلْ يَتِمُّ أَمْ لا، ولَم يَجُزْ بَيْعُهُ بعدَ أَنْ يَيْبَسَ على أَنْ يَكُونَ على البَائِعِ دَرسُهُ وتَذْرِيَتُهُ، لأَنه إنَّما بَاعَ مِنْهُ الآنَ مَا يَخرُجُ مِنْهُ وَهُوَ غَيْرُ مَرئي فَيَدخُلُهُ الغَرَرُ.

قالَ أَبو المُطَرِّفِ: إنَّمَا جَازَتْ الإقَالَةُ في الطَعَامِ المُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ لأَنه فِعل مَغرُوف إذا قَبَض المَقِيلُ رَأْسَ مَالِهِ الذي دَفَعَهُ فِيهِ ولَم يُؤَخِّرْهُ بهِ، فإنْ أَخَّرَهُ دَخَلَهُ الديْنُ بالديْنِ، وكَذَلِكَ إنْ قَبَضَ غَيْرَ رأْسِ مَالِهِ الذي دَفَعَهُ أَوَّلاً صَارَ بَيع الطعَامِ قَبلَ أَنْ يَسْتَوفِي، وإذا حَلَّ أَجَلُ الطَّعَامِ المُسْلَمِ فِيهِ فَدَفَعَ الذي عَلَيهِ السَّلَمَ أَفْضَلَ مِنَ الصِّفَةِ التي عَلَيْهِ أَو دُوثَها لم يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْسٌ، لأَنَّها تَكُونُ حِينَئذٍ


(١) رواه البخاري (٢١٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>