للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحَجِّ للإهْلَالِ بالحَجِّ، فقالَ: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} [البقرة: ١٩٧] , فَأَوَّلُهَا شَوَّالُ إلى النِّصْفِ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، وَلِذَلِكَ [قالَ لهُ] (١): (إنَّ عُمَرَ كَانَ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ)، يَعْنِي: أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى عَنِ العُمْرَةِ في أَشُهِرِ الحَجِّ، وَرَخصَ في ذَلِكَ عُمَرُ لِعُمَرَ بنِ أَبي سَلَمَةَ، فَاعْتَمَرَ في شَوَّالٍ، ثُمَّ رَجَعَ إلى أَهْلِهِ، وَلَمْ يَتَمَتَّعْ بالعُمْرَةِ إلى الحَجِّ، وَكَانَ سَعْدُ بنُ أَبي وَقَّاصٍ يُفْتِي بالتَّمَتُّعِ بالعُمْرَةِ إلى الحَجِّ.

وقالَ مَالِكٌ في هَذِه المَسْأَلةِ في غَيْرِ المُوَطَّأ: (عُمَرُ أَعْلَمُ النَّاسِ بِرَسُولِ اللهِ مِنْ سَعْدٍ)، يُرِيدُ مَالِكٌ بِقَوْلهِ هَذَا: أَنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَفْرَدَ الحَجَّ وَلَمْ يَتَمَتَّعْ بالعُمْرَةِ إلى الحَجِّ كَمَا يُتَأَوَّلُ عَلَى سَعْدٍ.

وإنَّمَا مَعْنَى قُوْلِ سَعْدٍ: (قَدْ صَنَعَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَصَنَعْنَاهَا مَعَهُ)، أَيْ: قَدْ أَبَاحَ لَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - التَّمَتُّعَ بالعُمْرَةِ إلى الحَجِّ، فَصَنَعْنَا ذَلِكَ وَنَحْنُ مَعَهُ، كَمَا قَالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ: (قَدْ رَجَمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَرَجَمْنَا مَعَهُ) (٢)، أَيْ: قَدْ أَمَرَنَا بالرَّجْمِ فَرَجَمْنَا ونَحْنُ مَعَهُ، وَلَمْ يَثْبُتْ عَنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ رَجَمَ أَحَدًا بِيَدِهِ، ولَكِنَّهُ أَمَرَ بالرَّجْمِ فَرَجَمَ النَّاسُ، كَمَا أَبَاحَ [التَّمَتُّعَ] (٣) بالعُمْرَةِ إلى الحَجِّ، فتَمَتَّعَ النَّاسُ وَلَمْ يَتَمَتَّعْ هُوَ، ولَكِنَّهُ أَفْرَدَ الحَجَّ.

* قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: قَوْلُ ابنِ عُمَرَ: (وَاللهِ لأَنْ أَعْتَمِرَ قَبْلَ الحَجِّ وأُهْدِي أَحَبُّ إلي مِنْ أَنْ أَعْتَمِرَ بَعْدَ الحَجّ في ذِي الحِجَّةِ) [١٢٤٨] , إنَّمَا قَالَ هَذا لأَنَّهُ كَانَ يَرَى أَنْ يُقْرِنَ بَيْنَ الحَجِّ والعُمْرَةِ، وكَانَ أَيْضًا يَرَى التَّمَتُعَ بالعُمْرَةِ إلى الحَجِّ، يأْخُذُ في ذَلِكَ بِمَا أَبَاحَةُ النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصْحَابهِ مِنْ ذَلِكَ، وَصِفَةُ التَّمَتّعِ بالعُمْرَةِ إلى الحَجِّ هُوَ أَنْ يَهِلَّ الرَّجُلُ بِعُمْرَة في أَشْهُرِ الحَجِّ، فَيَدْخُلُ مَكَّةَ مُحْرِمًا، فَيَطُوفُ بالبَيْتِ سَبْعًا ويَرْكَعُ، ثُمَّ يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ، ثُمَّ يَحْلِقُ أَو يُقَصِّرُ ويَحِلُّ مِنْ عُمْرَتهِ،


(١) جاء في الأصل: (ما قال لي)، وهو خطأ يأباه السياق، والصواب ما أثبته.
(٢) رواه أبو يعلى ١/ ١٤١، وابن الجارود في المنتقى (٨١٢).
(٣) جاء في الأصل: (المتمتع)، وما وضعته هو المناسب للسياق.

<<  <  ج: ص:  >  >>