للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال في قصة ثعلبة: {لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ} إلى قوله: {يَكْذِبُونَ} [التوبة: ٧٥ - ٧٧]، أخبرَ أنهم لمَّا فعلوا ما نُهوا عنه صرفَ الله قلوبهم عن الإيمان، فكذلك مَن اتَّبع الدَّجَّال؛ تقيةً رغبةً فيما عنده ورهبةً منه، صرفَ الله قلوبهم عن الإيمان به، فيكفرون.

ويجوز أن يكونَ شأنُ الدجال وأتباعه من المناهي التي شدَّد الله فيها، ولم يُجعل فيها رُخصة، وأنَّ مَنِ اتَّبعَهُ لم ينفعْهُ إيمانُهُ، كما جُعِلَ طلوعُ الشَّمسِ من مغربها فِتْنَةً لا يُقبل بعدَها إيمانُ مَنْ لم يكن آمنَ من قبل، وإن كان ذلك في القوة والصحة وإمكان الفعل.

أورد الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن إبراهيم الكلاباذي البخاري - رحمه الله - في "معاني مشكلات أخبار النبي - صلى الله عليه وسلم -" قوله: "إنه أعور، وإن الله ليس بأعور" ولو لَمْ يكن أعور، وكان صحيحَ العينين لم يكن يوجِبُ شبهةً، وإنما أرادَ - صلى الله عليه وسلم - أنه إنسانٌ وليس بحيوان ولا شيطان، وليس له فضلُ قُوَّةٍ، ولا زيادةُ حَال يُخَافُ منه أكثر مما يُخَافُ مِنْ مُتَسلِّطٍ ظالمٍ عاتٍ جبَّارٍ من الناس، وأنه إنسان شَبَّهَ بنيتَهُ ببنيَتَهُم، يؤذِيْهِ ما يُؤْذِيْهِمْ، ويَحْتَاجُ إلى ما يحتاجُ إليه الناس، وإنه مؤوفٌ بآفةِ العَور، لا يقدرُ على إزالَتِها عن نفسه، إن سلطَ الله تعالى عليه بعوضةً صرفتْهُ عن جميع ما يدَّعيه، وإن حرَّك عنه عِرقًا سَاكنًا، أو سكَّنَ منه متحرِّكًا زالَتْ عنه قوتُه، وأقلَقَهُ حَالُهُ.

فهذا من النبي - صلى الله عليه وسلم - تشجيعٌ لمن ابتلي بأيامه، وأدركه سلطانه؛ كي لا يكونَ خوفُهُ منه أكبرَ من خوفه من أحد من الناس عليه سلطانه، كذا قال الشيخ الكلاباذي البخاري - رحمه الله - في "جمعه" أيضًا.

وحاصل تفسير الكلاباذي: أن الدجالَ إنسانٌ مثلكم، بل أضعف منكم؛ لأنه أعور، والعورُ نقصانٌ وعيب، فيلزم منه أن لا يكون إلهًا لوجهين:

<<  <  ج: ص:  >  >>