للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لَقِيتُ موسَى - فَنَعَتَهُ -، فإذا رَجُلٌ مُضْطَرِبٌ رَجِلُ الشَّعرِ، كأنَّهُ منْ رِجالِ شَنُوءَةَ، ولَقيْتُ عيسَى رَبْعَةٌ أَحمَرُ، كأنَّما خرجَ منْ دِيْمَاسٍ - يعني: الحَمَّام - ورأيتُ إِبْراهِيمَ صلَواتُ الله عَلَيْهِ، وأنا أشبَهُ ولدِهِ بهِ، قَالَ: وأُتِيتُ بإِنَاءَيْنِ أحدُهُما لَبن والآخَرُ فيهِ خَمْرٌ، فَقِيلَ لي: خُذْ أَيَّهُمَا شِئْتَ، فَأَخَذْتُ اللَّبن فشرِبْتُهُ، فَقِيْلَ لي: هُدِيتَ الفِطْرةَ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَخَذْتَ الخَمرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ".

قوله: "وأُتِيتُ بإناءَين؛ أحدُهما: لبن، والآخرُ فيه خَمْر"، الحديث.

كان قياسُ العربية في قوله - صلى الله عليه وسلم -: (أحدُهما فيه لَبن) كما قال: (فيه خمرٌ)، لكنه عدَلَ عن القياس، لأنه - صلى الله عليه وسلم - أراد تكثيرَ اللبن، فلما كَثُرَ صار كأنَّ الإناءَ انقلبَ لَبنًا، فجعلَه لبنًا كلَّه، تكثيرًا لِمَا يختارُه.

ولمَّا كان الخمرُ منهيًّا عنه قَلَّلَه؛ أي: إناءٌ فيه خمرٌ قَليلٌ، والظاهر: أنه أراد باللبن الحليبَ لا الرائبَ، إذ ذاك عند العرب غالبًا، وإنما عُرِضَ عليه كلاهما؛ ليَظْهَرَ للملائكة تفضيلهُ واختيارهُ ما هو الصواب، والمأتيُّ بهما كان اختراعًا إلهيًا في الحال، لا مأخوذًا من الدنيا، إذ لم يكن المأتيُّ بهما في عالم الكون والفساد، بل في عالم الملكوت.

قوله: "أمَا إنَّكَ لو أخذتَ الخمرَ غَوَتْ أمتُك(أَما): كلمةُ تنبيه؛ أي: لو اخترتَ الخمرَ بدلَ اللبن لضلَّتْ أمتُك.

* * *

٤٤٤٥ - عَنِ ابن عبَّاسِ قَالَ: سِرْنا معَ رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بيْنَ مكَّةَ والمَدِينَةِ، فَمَرَرْنا بِوادٍ فَقَالَ: "أيُّ وادٍ هَذَا؟ " فَقَالوا وَادِي الأَزْرَقِ، قَالَ: "كأنِّي أنظُرُ إلى موسَى، فذكَرَ منْ لونِهِ وشَعْرِهِ شَيْئًا، واضعًا أُصْبُعَيْهِ في أُذُنَيْهِ، لَهُ جُؤارٌ إلى الله بالتَّلبيَةِ مارًّا بهذا الوَادِي قَالَ: ثُمَّ سِرْنا حتَّى أَتَيْنا عَلَى ثَنِيَّةٍ فَقَال: "أيُّ ثَنِيَّةٍ هذهِ؟ " قالوا: هَرْشَى أو: لِفْتٌ، فَقَال: "كَأنِّي أنظُرُ إلَى يُونُسَ عَلَى ناقَةٍ حَمْراءَ,

<<  <  ج: ص:  >  >>