للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقد تأول الشافعي رضي الله عنه هذا الحديث على إبطال ما يفعله أهل الجاهلية.

قال (١): كان الشريف في الجاهلية إذا نزل أرضًا في حيه استعوى كلبًا فحمى مَدَى عُواء الكلب لا يشركه فيه غيره، وهو يشارك القوم في سائر ما يرعون فيه، قال: فنرى أن قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا حمى إلا لله ولرسوله" لا حمى على هذا المعنى الخاص، وأن قوله لله، فلله كل شيء ورسوله - صلى الله عليه وسلم - إنما يحمي مصالح المسلمين لا كما يحمي غيره لخاصة نفسه انتهى كلام الشافعي رضي الله عنه.

قال البغوي في شرح السنة (٢): وكان الحمى جايزًا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم - لخاصة نفسه، لكنه لم يفعل، إنما حمى النقيع -بالنون- لمصالح المسلمين للخيل المعدّة لسبيل الله، وما أشبهها، والصحيح: أن للإمام بعده - صلى الله عليه وسلم - أن يحمي لرعى نعم الجزية، وخيل المقاتلة والأموال الضالة، والصدقة، ومال من يضعف عن الإبعاد في طلب النجعة ولم يضر ذلك بالناس ولا يحمي لنفسه.

٢٢١٣ - قال: خاصم الزبير رجلًا من الأنصار في شراج من الحرة، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اسق يا زبير! ثمَّ أرسل الماء إلى جارك"، فقال الأنصاري: يا رسول الله أن كان ابن عمتك؟ فتلون وجهه ثمَّ قال: "اسق يا زبير! ثمَّ احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر، ثمَّ أرسل الماء إلى جارك"، فاستوعى النبي -صلى الله عليه وسلم- للزبير حقه في صريح الحكم حين أحفظه الأنصاري، وكان أشار عليهما بأمر لهما فيه سعة.

قلت: رواه البخاري في مواضع منها في الشرب [وفي التفسير] ومسلم في فضائل النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو داود في القضاء والترمذي في الأحكام وفي التفسير والنسائيّ في القضاء وفي التفسير وابن ماجه في السنة وفي الأحكام كلهم من حديث عروة بن الزبير بن العوام


(١) انظر الأم للشافعي (٤/ ٤٧)، وشرح السنة (٨/ ٢٧٢ - ٢٧٣).
(٢) شرح السنة (٨/ ٢٧٣).