للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم ناقش ابن عطية في نفس الموضوع الذي فسر بإذن ربهم بعلم الله، واقتضائه وتوفيقه، فرد عليه ابن عرفة بأن هذه نزعة اعتزالية ولولا قوله واقتضائه لكان صريحًا في اتباع المعتزلة، لانهم يقولون: إن العبد يستقل بافعاله، ويخلقها، وإن الله لم يخلق الشر، ولا أراد.

ثم يفسر ابن عرفة الآية بما يراه صوابًا وهو أن معنى قوله بإذن ربهم، أي بقدرته وخلقه واختراعه وأنه خلق الهداية والضلال، وأراد تعالى أن يكون في ملكه مالا يريد (١).

وفي قوله تعالى {ولكم في القصاص حياة ... .} (٢)، قال ابن عرفة: فيه دليل لأهل السنة القائلين بأن لاحسن ولا قبح لأن الآية خرجت مخرج الامتنان بتعداد هذه النعم فدل على أنها تفضل من الله تعالى، ولو كان القصاص واجبًا في العقل لما

حسن كونه نعمة، ولما صح الاتيان به لأن ذلك تحصيل الحاصل (٣).

وهو يفسر الألفاظ حسب اصطلاح أهل الكلام عليها:

وقال في تفسير قوله تعالى {فيعلمون أنه الحق ...} (٤)، الحق يقع في القرآن كثيرًا كقوله تعالى {ماخلقنا السموات والارض وما بينهما إلا بالحق} (٥)، فمن يفهمه على ظاهره يعتزل، لأن مذهب المعتزلة مراعاة الأصلح على قاعدة التحسين والتقبيح. والصواب أن يقال في تفسير الحق: هو الأمر الثابت في نفس الأمر الذي دل الدليل الشرعي على ثبوته. أو يقال: إنما هو الثابت بدليل شرعي أو مدلول الكلام القديم الأزلي (٦).

وفي قوله تعالى {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} (٧) قال ابن عرفة: حكى ابن الخطيب اختلاف المتكلمين على الاستطاعة مع الفعل أو قبله؟ قال: والآية حجة لمن يقول إنها قبله، ورد ابن عرفة هذا الرأي وقال: الاستطاعة تطلق على معنين فتارة يراد بها التمكن من الفعل كقوله: زيد الفاعل مستطيع على القيام فهذا لاخلاف أنها تشترط فيها المقارنة وليست هي المصطلح عليها عند المتكلمين، وتارة يراد بها القدرة على


(١) ق: ١٨٠.
(٢) البقرة: ١٧٩.
(٣) ق: ٤١.
(٤) البقرة: ٢٦.
(٥) الأحقاف: ٣.
(٦) ق: ١١.
(٧) آل عمران: ٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>