للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فرائضه. ومن قال إنها في المنافقين فيقول: التكذيب تكذيبان: تكذيب بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال، وهو تكذيب المشركين، والمنافقون منه برآء. وتكذيب آخر، هو تكذيب المنافقين وهو ترك الوفاء وانتقاص الفرائض التي لا يكون أهلها مؤمنين إلا باستكمالها فالمنافقون مكذبون بهذه الجهة، وبهذا المعنى لا على الإنكار والجحود، لكن على ترك الوفاء واستكمال الفرائض كان تكذيبهم.

والحق أن من تدبر هذه الآية من سورة الأنعام يدرك أنها لاتعني المنافقين بالمعنى العام للنفاق، الذي نقرأ صورًا عنه في سورة براءة مثلا، فإن السورة هنا مكية. وسياق الآيات قبلها وبعدها يوحي بأنها نزلت في مشركي قريش الذين ينكرون نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - ورسالته، وينكرون البعث ويكذبون به، ولكن هودًا يرى في هذا التكذيب هنا معنى انتقاص الفرائض، ويسمي أصحابه منافقين، وهو معنى بعيد متكلف أملاه عليه فكره المنحرف.

ومن كلامه في تقرير عقيدة الخوارج قوله:

ثم ذكر الله صنفًا آخر من الناس، يعني المنافقين فقال: {ومن الناس من يقول ءامنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين} (١) يقول: أقروا لله بألسنتهم وخالفت أعمالهم وما هم بمؤمنين، أي: حتى يستكملوا دين الله ويوفوا بفرائضه {وإبراهيم الذي وفى} (٢) أي الذي أكمل الإيمان وأكمل الفرائض. قوله: {يخادعون الله والذين آمنوا} (٣) أي بما أعطوهم من الإقرار والتصديق، وأعطوا الحقوق من الزكاة، يخادعون بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين، فجعل الله مخادعتهم رسوله والمؤمنين كمخادعة منهم لله. وهو كقوله: {إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله} (٤). والإيمان بالنبي عليه السلام إيمان بالله، والكفر به هو كفر بالله، وكذلك مخادعة الله قال: {وما يخادعون إلا أنفسهم} أي: إن ذلك يرجع إليهم عذابه وثواب كفره. وتفسير خدعة الله إياهم في سورة الحديد، وما يشعرون أي: أن ذلك يصير عليهم.

ثم قال: {في قلوبهم مرض} (٥) يعني بذلك النفاق. يقول: في قلوبهم نفاق، فنسب النفاق إلى القلب كما نسب الإثم إليه، كقوله في الشهادة: {ومن يكتمها فإنه آثم قلبه} (٦) قال: {فزادهم الله مرضًا} أي


(١) البقرة: ٨.
(٢) النجم: ٣٧.
(٣) البقرة: ٩.
(٤) الفتح: ١٠.
(٥) البقرة: ١٠.
(٦) البقرة: ٢٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>