للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التي يكون العبد فيها عند ربه كثيرة فيعظم فيها حرمات الله على الشهود. (١)

وفي قوله تعالى {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه} (٢) يقول:

فعلماء الرسوم يحملون لفظ قضى على الأمر، ونحن نحمله على الحكم كشفا ... . وهو الصحيح؛ فإنهم اعترفوا أنهم ما يعبدون هذه الأشياء إلا لتقربهم إلى الله زلفى، فأنزلهم منزلة النواب الظاهرة بصورة من استنابهم، وما ثم صورة إلا الألوهية فنسبوها إليهم. ولهذا يقضى الحق حوائجهم إذا توسلوا بها إليه غيرة منه على المقام أن يهتضم، وإن أخطأوا في النسبة فما أخطأوا في المقام، ولهذا قال: {إن هي إلا أسماء سميتموها} (٣) أي أنتم قلتم عنها: إنها ألهة ... .. وإلا فسموهم، فلو سموهم لقالوا: هذا حجر، أو شجر، أو ما كان، فتتميز عندهم بالاسمية؛ إذ ما كل حجر عبد ولا اتحذ إلها، ولا كل شجر، ولا كل جسم منير، ولا كل حيوان. فلله الحجة البالغة عليهم بقوله: {قل سموهم} (٤).

وإنما الخطأ في إثبات الغير وهو القول بالشرك، فهذا القول بالعدم: لأن الشريك ليس ثم، وذلك لا يغفره الله، لأن الغفر الستر، ولا يستر إلا من له وجود، والشريك عدم فلا يستر ... فهي كلمة تحقيق {إن الله لا يغفر أن يشرك به} (٥) لأنه لا يجده. فلو وجده لصح وكان للمغفرة عين تتعلق بها، وما في الوجود من يقبل الأضداد إلا العالم من حيث ما هو واحد، وفي هذا الواحد ظهرت الأضداد، وما هي إلا أحكام عين الممكنات في عين الوجود التي بظهورها علمت الأسماء الإلهية المتضادة وأمثالها. (٦)

وفي تفسيره لقوله تعالى {فادخلي في عبادي وادحلي جنتي} (٧) يقول:

وادخلي جنتي التي هي ستري وليست جنتي سواك فأنت تسترني بذاتك الإنسانية فلا أعرف إلا بك كما أنك لا تكون إلا بي فمن عرفك عرفني أنا لا أعرف فأنت لا تعرف، فإذا دخلت جنته دخلت نفسك فتعرف نفسك معرفة أخرى غير المعرفة التي عرفتها حين عرفت ربك بمعرفتك إياها فتكون صاحب معرفتين معرفة به من حيث أنت ومعرفة بك من حيث


(١) الفتوحات ٤/ ١١٥.
(٢) الإسراء: ٢٣.
(٣) النجم ٢٣.
(٤) الرعد: ٣٣.
(٥) النساء: ٤٨.
(٦) الفتوحات ٣/ ١١٧.
(٧) الفجر: ٢٩، ٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>