للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مذ عرفت الإله لم أر غيرا ... وكذا الغير عندنا ممنوع

فمن كحل عين بصيرته بإثمد الخاص لم يقع بصره إلا على الحق ولا يعرف إلا إياه، ورأى الأشياء كلها قائمة بالله، بل لا وجود لها مع الله ومن فتح الله سمع قلبه، لم يسمع إلا من الحق ولا يسمع إلا به كما قال القائل:

أنا بالله أنطق ... ومن الله أسمع

وقال الجنيد - رضي الله عنه -: لي أربعين سنة أناجي الحق، والناس يرون أني أناجي الخلق فالخلق محذوفون عند أهل العلم بالتحقيق، مثبتون عند أهل الجهل والتفريق يقولون: {لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية} (١) مع أنه يكلمهم في كل وقت وساعة.

وينقل عن ابن عربي قوله:

من رأي الخلق لا فعل لهم فقد فاز ومن رآهم لا صورة لهم فقد جاز ومن رآهم بين العدم فقد وصل (٢) وانظر أيضا (٣) وقال: قال بعض العارفين: لو كلفت أن أرى غيره لم أستطع فإنه لا غير معه حتى أشهده. (٤)

ويقول في مقامات التوحيد التي ذكرها تحت قوله تعالى {وإلهكم إله واحد} (٥):

واعلم أن توحيد الخلق لله تعالى على قدرته درجات، الأولى توحيد العامة وهو الذي يعصم النفس والمال وينجو به من الخلود في النار وهو نفي الشركاء والأنداد والصاحبة والأولاد والأشباه والأضداد، الثانية توحيد الخاصة وهو أن يرى الأفعال كلها صادرة من الله وحده ويشاهد ذلك بطريق الكشف لا بطريق الاستدلال فإن ذلك حاصل لكل مؤمن وإنما مقام الخاصة يقين في القلب بعلم ضروري لا يحتاج إلى دليل وثمرة هذا العلم الانقطاع إلى الله والتوكل عليه وحده فلا يرجو إلا الله ولا يخاف أحدا سواه إذ ليس يرى فاعلا إلا الله فيطرح الأسباب وينبذ الأرباب الدرجة الثالثة ألا يرى في الوجود إلا الله ولا يشهد معه سواه، فيغيب عن النظر إلى الأكوان في شهود المكون وهذا هو مقام الفناء فإن رد إلى شهود الأثر بالله سمى مقام البقاء. (٦)


(١) البقرة: ١١٨.
(٢) ص: ١٠٠.
(٣) ص: ١٠١.
(٤) ص: ١٥٦.
(٥) البقرة: ١٦٣.
(٦) ص: ١٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>