للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غيره بعيب لم يتخلص منه، قيل له: أتأمر الناس بالبر وتنسى نفسك خالية منه، فلا يسلم من توبيخ هذه الآية إلا النادر في الصفاء والوفاء. قال البيضاوي: المراد بها حث الواعظ على تزكية النفس، والإقبال عليها بالتكميل ليقوم فيقيم غيره، لا منع الفاسق عن الوعظ، فإن الإخلال بأحد الأمرين المأمور بهما لا يوجب الإخلال بالآخر فانظر. وتأمل قول القائل:

ياأيها الرجل المعلم غيره ... هلا لنفسك كان ذا التعليم

تصف الدواء لذى السقام وذي الضنى ... كيما يصح به وأنت سقيم

وأراك تلقح بالرشاد عقولنا ... نصحا وأنت من الرشاد عديم

ابدأ بنفسك فإنهما عن غيها ... فإذا انتهت عنه فأنت حكيم

فهناك يقبل إن وعظت ويقتدى ... بالقول منك وينفع التعليم

لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم (١)

وأردف هذه الإشارة بإشارة أخرى وبدون تعليق إلا أن أقول: اشتهر عن هذه الطائفة قولهم: إذا رأيت شيخك على فاحشة فظن به خيرا، وقد ذكر صاحب سلوة الأنفاس فيما ذكر من الكرامات أن فلانا من الأولياء كان يفعل في حمارة في الطريق فقيل له في ذلك فقال: أصلح السفينة ... ويسوق القصة التي تدلل على إصلاح سفينة معطلة في عرض البحر فجأة بعد أن أعيت أصحابها في نفس اللحظة الجنسية الشاذة. (٢)

قال مفسرنا تحت قوله {أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم} (٣) بعد أن قرر عدم جواز حل المريد عقدته مع شيخه لينتقل إلى شيخ آخر: وصحب تلميذ شيخا فرآه يوما قد زنا بامرأة!! فلم يتغير من خدمته، ولا أخل في شيء من مرسومات شيخه، ولا ظهر منه نقص احترامه وقد عرف الشيخ أنه رآه فقال له يوما: يابني قد عرفت أنك رأيتني حين فسقت بتلك


(١) ص: ٤٧.
(٢) ذكر الشعراني نحو هذه القصة بدون سفينة ثم قال: وقد أخبرت عنه سيدي محمد عنان رضي الله عنه فقال: هؤلاء يخيلون للناس هذه الأفعال وليس لها حقيقة. انظر الطبقات الكبرى ص: ٦٠٧.
(٣) البقرة: ١٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>