للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أرْضاً، فكانت منها طائفةٌ طيِّبَةٌ قَبِلتِ الماء، وأنبتت الكلأ (١) والعُشْبَ الكثيرَ، وكان منها أجادِبُ (٢) أمسكت الماءَ فنفعَ الله بها الناس، فشربوا منها وسَقَوْا وزَرَعوا (٣)، وأصاب طائفةً أخرى منها، إنما هي قِيعانٌ (٤)، لا تُمسِك ماء، ولا تُنبتُ كلأً، فذلك مَثَلُ من فَقُهَ (٥) في دين الله تعالى، ونَفَعَه ما بعثني الله به فَعَلِمَ وعلّم؛ ومَثَلُ مَن لم يَرْفَعْ بذلك رأساً، ولم يَقْبلْ هُدى الله الذي أُرسلتُ به".

رواه البخاري ومسلم.

٧٧ - (١١) [حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

"إنَّ ممّا يلحقُ المؤمِنَ من عملِهِ وحسناتِهِ بعد موتِه علماً علّمه ونَشَرَه، وولداً صالحاً تركه، أو مُصحفاً ورَّثه، أو مسجداً بناه، أَو بيتاً لابن السبيل


(١) بالهمز بلا مد: النَّبَتُ يابساً كان أو رطباً. و (العشب): النبت الرطب، فعطفه عليه من عطف الخاص على العام.
(٢) جمع (جَدَب) بفتح الدال المهملة على غير قياس: وهي الأرض الصلبة التي تمسك الماء فلا تشربه سريعاً. وقيل: هي الأرض التي لا نبات بها، مأخوذة من الجدب، وهو القحط.
(٣) هذا اللفظ للبخاري، ولفظ مسلم: "ورَعَوا"، وجمع بينهما أحمد بلفظ: "فشربها، فرَعَوْا، وسقوا، وزعوا وأسقوا".
(٤) بكسر القاف: جمع (قاع): وهو الأرض المستوية الملساء التي لا تنبت.
(٥) بضم القاف؛ أي: صار فقيهاً. قال الإمام القرطبي وغيره من شراح الحديث:
"ضرب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما جاء به من الدين مثلاً بالغيث العام الذي يأتي الناس في حال حاجتهم إليه، وكذا كان حال الناس قبل مبعثه، فكما أن الغيث يحيي البلد الميت، فكذا علوم الدين تُحيي القلب الميت. ثم شبه السامعين له بالأرض المختلفة التي ينزل بها الغيث، فمنهم العامل المعلّم، فهو بمنزلة الأرض الطيبة، شربت فانتفعت في نفسها، وأنبتت فنفعت غيرها، ومنهم الجامع للعلم المستغرق لزمانه فيه، غير أنه لم يعمل بنوافله، أو لم ينفعه فيما جمع له، لكنّه أداه لغيره، فهو بمنزلة الأرض السبخة أو الملساء، التي لا تقبل الماء، أو تفسده على غيرها. وإنما جمع في المثل بين الطائفتين الأوليين المحمودتين لاشتراكهما في الانتفاع بهما، وأفرد الطائفة الثالثة المذمومة لعدم النفع بها. والله أعلم".

<<  <  ج: ص:  >  >>