للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

البحر مدادًا، وأمدته سبعة أبحر، والخلائق جميعًا يكتبون بها كلمات الله وعجائب صنعه الدالة على عظمته وجلاله .. لتكسرت الأقلام، ونفد ماء البحر، ولم تنفد كلمات الله تعالى، وعجائب صنعه، ونحو الآية قوله: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ}.

وإنما ذكر السبعة الأبحر للدلالة على الكثرة، لا لقصد هذا العدد بعينه، وقد تقرر أن العرب تذكر السبعة والسبعين والسبع مئة، وتريد بذلك الكثرة، كما جاء في الحديث: "سبعة يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله" وفي الآية: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ}. كحديث "المؤمن يأكل في معي واحد، والكافر في سبعة أمعاء".

ولما كان لفظ سبعة ليس موضوعًا في الأصل للتكثير، وإن كان مرادًا به التكثير .. جاء مميزه بلفظ القلة، وهو أبحر، ولم يقل بحور، وإن كان لا يراد به أيضًا إلا التكثير ليناسب بين اللفظين، فكما يجوز في سبعة واستعمل للتكثير، كذلك يجوز في أبحر واستعمل للتكثير، ذكره أبو حيان.

وقصارى ذلك: أنه سبحانه أخبر أن عظمته وكبرياءه وجلاله وأسماءه الحسنى لا يحيط بها أحد، ولا يصل البشر إلى معرفة كنهها وعدها، كما ورد في الحديث: "سبحانك لا نحصى ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك".

وقرأ الجمهور (١): {وَالْبَحْرُ} بالرفع على أنه مبتدأ، و {يَمُدُّهُ}: خبره، والجملة: في محل الحال، وقال المبرد: مرتفع بفعل مقدر؛ أي: ولو ثبت البحر حال كونه تمده من بعده سبعة أبحر، وقيل: مرتفع بالعطف على {أن} وما في حيزها، وقرأ أبو عمرو وابن أبي إسحاق (٢): {والبحر} بالنصب عطفًا على اسم {أن} أو بفعل مضمر يفسره {يمده}. وقرأ عبد الله: {وبحر يمده} بالتنكير وبالرفع، والواو للحال، أو للعطف على ما تقدم، وإن كانت الواو للحال .. كان


(١) البحر المحيط والشوكاني.
(٢) البحر المحيط.