للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الهوى والتقليد بما دهاهم من الخوف الشديد، والإخلاص: إفراد الشيء من الشوائب. {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ} الله سبحانه وتعالى من البحر {إِلَى الْبَرِّ} وجاد تحقيق مناهم بسبب إخلاصهم في الدعاء صاروا على قمسين {فـ} قسم {مقتصد}؛ أي: آخذ بالطريق القصد، ومتمسك بالدين المستقيم، وهو التوحيد والطاعة لله سبحانه فيما أمر ونهى، قاله الحسن: وقيل؛ أي: موف بما عاهد عليه الله في البحر، من إخلاص الدين له، باق على ذلك بعد أن نجاه الله من هول البحر، وأخرجه إلى البر سالمًا.

وقسم كافر جاحد، ففي الكلام حذف، ويدل على هذا المحذوف قوله: {وَمَا يَجْحَدُ} وينكر {بِآيَاتِنَا}؛ أي: بدلائل قدرتنا التي منها إنجاء هؤلاء من البحر، والقرآن الذي أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ أي: ما ينكر بحقيتها {إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ}؛ أي: غدار نقاض للعهد؛ أي: كثير الختر والغدر لما عاهد على نفسه. {كَفُورٍ}؛ أي: كثير الكفران لنعم الله تعالى، وإنما (١) يطلق هذا اللفظ على من صار الكفر عادةً ديدنًا له، كما يقال: ظلوم، لمن كان الظلم عادةً له.

وختم هذه الآية بصيغتي مبالغة اللتين هما (٢): {خَتَّارٍ} و {كَفُورٍ} ليكونا في مقابلة ما ختم به الآية التي قبلها، وهما: {صَبَّارٍ} و {شَكُورٍ} فتوازنت الكلمات الأربع لفظًا ومعنًى، أما توازنها لفظًا فظاهر، وأما معنًى، فالختار: هو الغدار، والغدر لا يكون إلا من قلة الصبر، فإن الصبار يفوض أمره إلى الله تعالى وأما الغدار: فيعهد ويغدر فلا يصبر على العهد، وأما الكفور: فمقابلته معنًى للشكور واضحةٌ.

ومعنى الآية (٣): أي وإذا أحاطت بهؤلاء المشركين الذين يدعون من دون الله تعالى الآلهة والأصنام الأمواج العالية كالجبال، وأحدق بهم الخطر من كل


(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط بتصرف.
(٣) المراغي.