للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عليه، والطمع في دخول الجنة بسببه، ودعوة الناس إليه، وأنتم به مشركون، ونحن مخلصون الطاعة والعبادة له تعالى، وأنتم به مشركون، والمخلص أحرى بالكرامة، وأولى بالنبوَّة من غيره، وهذه الآية منسوخةٌ بآية السيف، كما سيأتي في آخر السورة، والإخلاص (١): أن يخلص العبد دينه وعمله لله تعالى، فلا يشرك في دينه، ولا يرائي بعمله، وحقيقة الإخلاص: تصفية العمل عن ملاحظة المخلوقين. قال الفضيل بن عياض - رحمه الله تعالى - ترك العمل من أجل الناس رياءٌ، والعمل لأجل الناس شركٌ، والإخلاص أن يعافيك الله منهما. انتهى.

وحاصل المعنى (٢): أي ومن أين جاءكم هذا القرب من الله دوننا، والله ربُّنا وربُّكم، وربُّ العالمين. فهو الخالق، وجميعنا خلقه، وإنّما يتفاضل الناس بأعمالهم، وآثار أعمالنا عائدةٌ إلينا خيرًا أو شرًّا، وآثار أعمالكم كذلك لكم على هذا النحو، ونحن له مخلصون في أعمالنا، لا نبتغي إلّا وجهه، أما أنتم فقد اتكلتم على أسلافكم من الصالحين، وزعمتم أنَّهم شفعاء لكم عند ربكم مع انحرافكم عن سيرتهم، إذ هم ما كانوا يتقرَّبون إلّا بصالح العمل، وصادق الإيمان، فاجعلوهم رائدكم، وانهجوا نهجهم تنالوا الفوز والسعادة.

وخلاصة مما سبق: أنَّ روح الدين هو التوحيد، وملاك أمره الإخلاص المعبر عنه بالإِسلام، فإذا زال هذا المقصد، وحفظت الأعمال الصوريَّة، لم يغن ذلك شيئًا، وأهل كتاب أزهقوا هذا الروح، وحفظوا الرسوم والتقاليد، فهم ليسوا على شيء من الدين، ولكنّ محمدًا - صلى الله عليه وسلم - جاء بما أحيا ذلك الروح الذي كان عليه جميع الأنبياء، والمرسلين، فهو الذي كمَّل شريعتهم بشريعته التي تصلح لجميع البشر في كلِّ زمان، ومكان. وقرأ الجمهور (٣): {أَتُحَاجُّونَنَا} بنونين: إحداهما: نون الرفع، والأخرى ضمير المتكلمين. وقرأ زيد بن ثابت، والحسن،


(١) الخازن.
(٢) المراغي.
(٣) البحر المحيط.