للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إجابة ما تدعوهم إليه نفوسهم لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يدعوهم إلا إلى ما فيه نجاتهم وفوزهم، وأما نفوسهم فربما تدعوهم إلى ما فيه هلاكهم، وبوارهم، كما قال تعالى حكايةً عن يوسف الصديق عليه السلام: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} فيجب أن يكون عليه السلام أحب إليهم من أنفسهم، وأمره أنفذ عليهم من أمرها، وآثر لديهم من حقوقها، وشفقتهم عليه أقدم من شفقتهم عليها، وأن يبذلوها دونه، ويجعولها فداءه في الخطوب والحروب، ويتبعوه في كل ما دعاهم إليه، ويجعلوه مقدمًا على ما يختارونه لأنفسهم، كما قال: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (٦٥)}.

وخلاصة ذلك: أنه تعالى علم شفقته - صلى الله عليه وسلم - على أمته، وشدة نصحه لهم، فجعله أولى بهم من أنفسهم، وفي الحديث: "ما من مؤمن إلا وأنا أولى به في الدنيا والآخرة"؛ أي: في الشفقة من أنفسهم ومن آبائهم، وفيه أيضًا: "مثلي ومثلكم، كمثل رجل أوقد نارًا، فجعل الفراش والجنادب يقعن فيها، وهو يذب عنها، وأنا آخذ بحجزكم عن النار، وأنتم تفلتون من يدي". وفيه أيضًا: "لا يؤمن أحدكم، حتى أكون أحب إليه من نفسه وولده وماله والناس أجمعين".

قال في "الأسئلة المقحمة": وفي الآية إشارة إلى أن اتباع الكتاب والسنة أولى، من متابعة الآراء والأقيسة، حسبما ذهب إليه أهل السنة والجماعة.

وقيل (١): المراد بـ {أَنْفُسِهِمْ} في الآية بعضهم، فيكون المعنى: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أولى بالمؤمنين من بعضهم ببعض، وقيل: هي خاصة بالقضاء؛ أي: هو أولى بهم من أنفسهم فيما قضى به بينهم، وقيل: أولى بهم في الجهاد بين يديه، وبذل النفس دونه، والأول أولى.

{وَأَزْوَاجُهُ}؛ أي: زوجاته - صلى الله عليه وسلم - {أُمَّهَاتُهُمْ}؛ أي: مثل أمهاتهم، ومنزلات منزلتهن في التحريم والاحترام والتوقير والإكرام، فلا يحل لأحد منهم أن يتزوج


(١) الشوكاني.