للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

العتب، وأبان لهم أنه قد كان لهم برسول الله - صلى الله عليه وسلم - معتبر لو اعتبروا، وأسوة لو أرادوا التأسي، فقال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ} أيها المؤمنون، وهو الظاهر من قوله فيما بعد: {لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ ...} الخ {فِي رَسُولِ اللَّهِ} - صلى الله عليه وسلم - {أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}؛ أي: خصلة صالحة، حقها أن يقتدى بها على سبيل الإيجاب في أمور الدين، وعلى سبيل الايستحباب في أمور الدنيا، والقدوة: الحالة التي يكون الإنسان عليها في اتباع غيره، إن حسنًا وإن قبيحًا، وإن سارًا وإن ضارًا، يقال: تأسيت به؛ أي: اقتديت به.

والمعنى (١): لقد كان لكم أيها المؤمنون في محمد - صلى الله عليه وسلم - خصلة حسنة، وسنة صالحة، حقها أن يؤتى بها؛ أي: يقتدى فيها، كالثبات في الحرب، ومقاساة الشدائد، فإنه قد شج فوق حاجبه وكسرت رباعيته، وقتل عمه حمزة يوم أحد، وأوذي بضروب الأذى، فوقف ولم ينهزم، وصبر ولم يجزع، فاستسنوا بسنته وانصروه، ولا تتخلفوا عنه.

وقال بعضهم: كلمة {فِي} تجريدية، جرد من نفسه شيء وسمي قدوة، وهي هو؛ يعني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نفسه أسوة وقدوة، يحسن التأسي به، والاقتداء، كقولك: في البيضة عشرون منًا حديدًا؛ أي: هي نفسها هذا القدر من الحديد.

وقرأ الجمهور (٢): {أُسْوَةٌ} بضم الهمزة، وقرأ عاصم: بكسرها، وهما لغتان، كما قال الفراء وغيره، وفي هذه الآية عتاب للمتخلفين عن القتال مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ أي: لقد كان لكم في رسول الله، حيث بذل نفسه للقتال، وخرج إلى الخندق لنصرة دين الله أسوة، وهذه الآية، وإن كان سببها خاصًا .. فهي عامة في كل شيء، ومثلها {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} وقوله: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}.


(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.