للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

به، وما تستوي ظلمات الكفر ونور الإيمان، ولا الثواب والعقاب، ثم ضرب مثلًا آخر لهما بقوله: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ ...} إلخ؛ أي: وما يستوى أحياء القلوب بالإيمان بالله ورسوله ومعرفة كتابه وتنزيله، وأموات القلوب بغلبة الكفر عليها حتى صارت لا تعقل عن الله أمره ونهيه، ولا تفرِّق بين الهدى والضلال، وكل هذه أمثال ضربها الله سبحانه للمؤمن والإيمان, والكافر والكفر.

ونحو الآية قوله: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا}، وقوله: {مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (٢٤)}.

والخلاصة: أن المؤمن بصير سميع نيِّر القلب، يمشي على صراط مستقيم في الدنيا والآخرة حتى يتقربه الحال في الجنات ذات الظلال والعيون، والكافر أعمى وأصم يمشي في ظلمات لا خروج له منها، فهو يتيه في غيه، وضلاله في الدنيا والآخرة حتى يفضي به ذلك إلى حرور وسموم وحميم، وظل من يحموم، لا بارد ولا كريم.

ثم بيَّن أن الهداية والتوفيق بيده سبحانه وحده، فقال: {إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى: {يُسْمِعُ} كلامه إسماع فهم واتّعاظ، وذلك بإحياء القلب. {مَنْ يَشَاءُ} أن يسمعه من أوليائه الذين خلقهم لجنته، ووفَّقهم لطاعته، فينتفع بإنذارك، {وَمَا أَنْتَ} يا محمد، {بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ}؛ أي (١): بمفهم من هو مثل الميت الذي في القبور، شبَّه الله سبحانه الكفار بالموتى في عدم التأثر بدعوته - صلى الله عليه وسلم -؛ أي: فكما لا يسمع أصحاب القبور ولا يجيبون .. كذلك الكفار لا يسمعون ولا يقبلون الحق.

وقرأ الجمهور (٢): بتنوين {مسمع} وقطعه عن الإضافة، وقرأ الحسن والأشهب وعيسى الثقفي وعمرو بن ميمون: بإضافته، والمعنى: إن الله يهدي من يشاء إلى سماع الحجة وقبولها بخلق الاستعداد فيه للهداية، ثم ضرب مثلًا لهؤلاء المشركين، وجعلهم كالأموات لا يسمعون فقال: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ} الخ؛ أي: فكما لا تقدر أن تسمع من في القبور كتاب الله فتهديهم به إلى سبيل الرشاد .. لا


(١) المراح.
(٢) البحر والشوكاني.