للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ويروى أنّ آخر مولود في النوع الإنساني يكون بالصّين، فيسري بعد ولادته العقم في الرجال والنساء، ويدعوهم إلى الله تعالى، فلا يجاب في هذه الدعوة، فإذا قبضه الله، وقبض مؤمني زمانه .. وبقي من بقي مثل البهائم، لا يَحِلُّون حلالًا، ولا يحرّمون حرامًا، فعليهم تقوم الساعة، وتخرّب الدنيا، وينتقل الأمر إلى الآخرة.

٤٢ - {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ}؛ أي: أقسم وحلف مشركوا مكة، {جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} إما منصوب على المصدرية؛ أي: أغلظ أيمانهم وأشدّها وأوكدها، أو مصدر واقع موقع الحال؛ أي: جاهدين ومبالغين في أيمانهم، والجهد بالفتح: بلوغ الغاية في الاجتهاد، وأما بالضم .. فهو الطاقة، والأيمان: جمع يمين، واليمين في الحلف مستعار من اليمين بمعنى اليد اعتبارًا بما يفعل المحالف والمعاهد عنده. قال الراغب: أي: حلفوا واجتهدوا في الحلف أن يأتوا به على أبلغ ما في وسعهم. انتهى، وكان أهل الجاهلية يحلفون بآبائهم وبالأصنام وبغير ذلك، وكانوا يحلفون بالله، ويسمّونه جهد اليمين، وعبارة "الصاوي" هنا: وإنما كان الحلف بالله غاية أيمانهم؛ لأنهم كانوا يحلفون بآبائهم وأصنامهم، فإذا أرادوا التأكيد والتشديد .. حلفوا بالله، وهي اليمين المغلّظة، كما قال النابغة:

حَلَفْتُ فَلَمْ أَتْرُكْ لِنَفْسِكَ رِيْبَةً ... وَلَيْسَ وَرَاءَ اللهِ لِلْمَرْءِ مَطْلَبُ

أي: كما أن الله تعالى أعلى المطالب، كذلك الحلف به أعلى الأحلاف روي أن قريشًا بلغهم قبل مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّ أهل الكتاب كذّبوا رسلهم، فقالوا: لعن الله اليهود والنصارى، أتتهم الرسل فكذبوهم، وحلفت قريش: واللهِ {لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ}؛ أي: واللهِ لئن جاء قريشًا نبىٌّ منذر مخوّف من عذاب الله {لَيَكُونُنَّ}؛ أي: قريش {أَهْدَى}؛ أي: أطوع وأصوب دينًا، {مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ}؛ أي (١): من كل من اليهود والنصارى وغيرهم؛ لأن {إِحْدَى} شائعة، والأمم جمع، فليس المراد إحدى الأمتين اليهود والنصارى فقط، ولم يقل من الأمم بدون إحدى؛ لأنه لو قال لجاز أن يراد بعض الأمم وأنَّث {إِحْدَى} لكون أمة مؤنثة.

والمعنى (٢): أي وأقسم المشركون بالله أغلظ الإيمان، وبالغوا فيها أشد


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.