للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ومعنى الآية (١): أي إنا نحن نحيي الموتى جميعًا من قبورهم يوم القيامة، ونكتب ما أسلفوا من عمل، وتركوا من أثر حسن بعدهم، كعلم علموه، أو حبيس في سبيل الله وقفوه، أو مستشفى لنفع الأمة أنشؤوه، أو أثر سيء كغرس الأحقاد والأضغان وترتيب مبادىء الشر، والعدوان بين الأنام. روى ابن أبي حاتم عن جرير بن عبد الله البجلي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من سنّ سنة حسنة .. فله أجرها، وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيئًا، ومن سنّ سنة سيئة كان عليها وزرها ووزر من عمل بها من بعده، لا ينقص من أوزارهم شيئًا، ثم تلا: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} ". والمراد من الكتابة ذلك مجازاتهم عليه، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، ثم ذكر أن الضبط والإحصاء لا يخص أعمال بني آدم، بل يتناول جميع الأشياء، فقال: {وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ}؛ أي: وبينّا كل شيء، وحفظناه في أصل عظيم يؤتم به ويُتبع ولا يخالف، وهو علمنا الأزلي القديم الذي لا يغادر صغيرةً ولا كبيرة إلا أحصاها، ونحو الآية قوله: {قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى (٥٢)} وقوله: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (٥٢) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (٥٣)}.

١٣ - قوله: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ} إلى قوله: {خَامِدُونَ}، يشير (٢) إلى أصناف ألطافه مع أحبائه، وأنواع قهره مع أعدائه، أمر الله تعالى سيد المرسلين - صلى الله عليه وسلم - بإنذار مشركي مكة بتذكيرهم قصة أصحاب القرية، ليحترزوا عن أن يحل بهم ما نزل بكفار أهل القرية.

قال في "الإرشاد": ضرب المثل يستعمل على وجهين:

الأول: في تطبيق حال غريبة بحالة أخرى مثلها، والمعنى عليه: واجعل يا محمد أصحاب القرية مثلًا وشبهًا لأهل مكة في الغلو في الكفر، والإصرار على تكذيب الرسل؛ أي: طبِّق حالهم بحالهم؛ أي: شبه حالهم بحالهم على أن {مَثَلًا} مفعول ثانٍ، و {أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ} مفعوله الأول، أخر عنه ليتصل به ما هو شرحه وبيانه.


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.