للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

هذا اليوم، الحاضر نار جهنم، وقاسوا حرها وفنون عذابها {بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ}؛ أي: بسبب كفركم المستمر في الدنيا، وجحودكم بها، وتكذيبكم إياها، بعد أن نبهتم فلم تتنبهوا، وأوقظتم فلم تستيقظوا. وفي ذكر اليوم، ما يوجب شدة ندامتهم وحسرتهم. يعني: أن أيام لذاتكم قد مضت، ومن هذا الوقت واليوم وقت عذابكم.

وخلاصة ذلك (١): أنه قد ذكر ما يوجب الحزن والأسى من وجوه ثلاثة:

١ - أنه أمرهم أمر تنكيل وإهانة بقوله: {اصْلَوْهَا} نحو قوله لفرعون: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (٤٩)}.

٢ - أنه ذكر لفظ اليوم، الذي يدل على أن العذاب حاضر، وأن لذاتهم قد مضت، وبقي العذاب اليوم.

٣ - أن قوله: {بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} يومىء إلى أن هناك نعمة، قد كانت، فكفروا بها، وحياء الكفور من المنعم أشد ألمًا، وأعظم مضاضةً، كما قيل:

أَلَيْسَ بِكَافٍ لذِيْ همَّةٍ ... حياءُ الْمُسِيْءِ مِنَ الْمُحَسِنِ

٦٥ - ثم بين أنهم في هذا اليوم، لا يستطيعون دفاعًا عن أنفسهم، وتشهد عليهم أيديهم وأرجلهم. فقال: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ}؛ أي: ففي هذا اليوم يعني: يوم القيامة نمنع أفواههم من النطق، ونفعل بها ما لا يمكنهم معه أن يتكلموا، فتصير أفواههم كأنها مختومة، فتعترف جوارحهم بما صدر منها من الذنوب، كما قال: {وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ} باستنطاقنا {بِما كانُوا} في الدنيا {يَكْسِبُونَ} من الذنوب والمعاصي والمراد (٢): جميع الجوارح، لا أن كل عضو يعترف بما صدر منه فقط. قال بعضهم: لما قيل لهم: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ} جحدوا، وقالوا: والله ربنا ما كنا مشركين، وما عبدنا من دونك من شيء، وما أطعنا الشيطان في شيء من المنكرات. فيُختم على أفواههم وتعترف جوارحهم بمعاصيهم.


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.