للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تكون مباشرة للمعصية، كما تكون الأيدي مباشرةً لها.

وفي «التأويلات النجمية»: يشير إلى أن الغالب على الأفواه الكذب، كما قال: {يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ}. والغالب على الأعضاء الصدق. ويوم القيامة، يوم يسأل الصادقين عن صدقهم، فلا يسأل الأفواه، فإنها كثيرة الكذب، ويسأل الأعضاء، فإنها كثيرة الصدق، فتشهد بالحق. أما الكفار فشهادة أعضائهم عليهم مبيدة لهم، وأما العصاة من المؤمنين الموحدين، فقد تشهد عليهم أعضاؤهم بالعصيان، ولكن تشهد لهم بعض أعضائهم أيضًا بالإحسان. قيل (١): أول عظم من الإنسان، ينطق يوم يختم على الأفواه، فخذه من رجله اليسرى وكفها، كما جاء في الحديث.

ومعنى الآية: أي ففي هذا اليوم، يُنكر الكافرون ما اجترحوا في الدنيا من الشرور والآثام، ويحلفون أنهم ما فعلوا. كما حكى الله عنهم من قولهم: {وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ}. فيختم على أفواههم، فلا تنطق ببنت شفة، ويستنطق جوارحهم، بما اجترحت من الفسوق والعصيان، الذي لم يتوبوا عنه.

٦٦ - ثم بين سبحانه، أنه قادر على إذهاب الأبصار، كما أنه قادر على إذهاب البصائر، فقال: {وَلَوْ نَشاءُ} أن نطمس على أعينهم، ونمحو نور أبصارهم. و {لَوْ} للمضي إن دخل على المضارع، ولذا لا يجزمه؛ أي: ولو أردنا عقوبة المشركين من أهل مكة في الدنيا .. {لَطَمَسْنا}؛ أي: لجعلنا الطمس والمحو {عَلى} مواضع {أَعْيُنِهِمْ} ولضربنا عليهم، وأزلنا أثرها، بحيث لا يبقى لها أثر، ولا يبدو لها شق ولا جفن، وتصير مطموسة ممسوحة، كسائر أعضاهم {فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ} معطوف على {طمسنا}؛ أي: فبادروا إلى الطريق الواسع الذي اعتادوا سلوكه فرارًا من الطمس والعقوبة ليجوزوه، ويمضوا فيه. {فَأَنَّى يُبْصِرُونَ}؛ أي: فكيف يبصرون الطريق، ويحسنون سلوكه ولا أبصار لهم؟! أي: لا يُبصرون لأن {أنى} بمعنى كيف، وكيف هنا إنكار فتفيد النفي. والمراد (٢): إن في قدرتنا


(١) روح البيان.
(٢) المراح.