للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأزمناهم، انتهى. {فَمَا اسْتَطاعُوا}؛ أي: فلم يقدروا {مُضِيًّا}؛ أي: ذهابًا وإقبالًا إلى جانب أمامهم {وَلا يَرْجِعُونَ}؛ أي: ولم يقدروا رجوعًا وإدبارًا إلى جهة خلفهم. فوضع الفعل موضع المصدر لمراعاة الفاصلة. قال الحسن: {فلا يستطيعون} أن يمضوا أمامهم، ولا يرجعوا وراءهم وكذلك الجماد لا يتقدم ولا يتأخر. وقيل: المعنى: لو نشاء لأهلكناهم في مساكنهم. وقيل: لمسخناهم في المكان، الذي فعلوا فيه المعصية.

والمعنى (١): أي ولو نشاء لمسخناهم مسخًا يحل بهم في منازلهم، لا يقدرون أن يفروا منه بإقبال ولا إدبار.

وحاصل معنى الآيتين (٢): ولو نشاء عقوبتهم، بما ذكر من الطمس والمسخ، جريا على موجب جناياتهم، المستدعية لها لفعلنا، ولكنا لم نشأها جريًا على سنن الرحمة، والحكمة، الداعيتين إلى إمهالهم زمانًا إلى أن يتوبوا، ويؤمنوا، ويشكروا النعمة، أو إلى أن يتولد منهم من يتصف بذلك.

وقرأ الجمهور (٣): {عَلى مَكانَتِهِمْ} بالإفراد. وقرأ الحسن، والسلمي، وزر بن حبيش، وأبو بكر عن عاصم {مكاناتهم} بالجمع. وقرأ الجمهور: {مُضِيًّا} بضم الميم. وقرأ أبو حيوة، وأحمد بن جبير الأنطاكي عن الكسائي: بكسرها إتباعًا لحركة الضاد. وقُرىء {مضيًا} بفتحها، فيكون من المصادر التي جاءت على فعيل، كالرسيم والوجيف.

٦٨ - ثم شرع يقطع معذرةً لهم، ربما احتجوا بها. وهي قولهم: أنهم لو عمروا لأحسنوا العمل. فقال: {وَمَنْ نُعَمِّرْهُ}؛ أي: ومن نطل عمره في الدنيا {نُنَكِّسْهُ} ونقلبه {فِي الْخَلْقِ} والشكل والصورة؛ أي: نغير خلقه، ونجعله على عكس ما كان عليه أولًا، من القوة والطراوة، ونرده إلى أرذل العمر، شبه الصبي في أول الخلق. والمعنى: نقلبه في شكله، ونجعله على عكس ما خلقناه أولًا،


(١) الفتوحات.
(٢) أبو السعود.
(٣) البحر المحيط والشوكاني.