للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فلا يزال يتزايد ضعفه، وتتناقص قوته، وتنتقض بنيته، ويتغير شكله وصورته، حتى يعود على حالة شبيهة بحال الصبي، في ضعف الجسد، وقلة العقل، والخلو عن الفهم والإدراك. وفي الحديث: «اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وحياتك قبل موتك، وفراغك قبل شغلك». وفي هذا كله، دليل على أن من فعل هذه الأفاعيل، قادر على أن بطمس، ويفعل بهم ما أراد. وقرأ الجمهور: {نُنَكِّسْهُ} مشددًا؛ أي: بضم النون الأولى، وفتح الثانية، وكسر الكاف مشددة. وقرأ عاصم، وحمزة مخففا؛ أي: بفتح النون الأولى، وسكون الثانية، وضم الكاف مخففة.

والهمزة في قوله: {أَفَلَا يَعْقِلُونَ} للاستفهام التوبيخي، داخلة على مقدر يقتضيه المقام، والفاء عاطفة على ذلك المقدر، والتقدير: أيرون ذلك التنكيس، فلا يعقلون أن من قدر على ذلك يقدر على ما ذكر من الطمس والمسخ فإنه مشتمل عليهما وزيادة، غير أنه على تدرج، وأن عدم إيقاعهما لعدم تعلق مشيئته تعالى بهما.

وقرأ نافع، وابن ذكوان، وأبو عمرو في رواية عباس (١): {تعقلون} بتاء الخطاب. وباقي السبعة بياء الغيبة؛ أي: أفلا يعقلون، أنهم كلما تقدمت بهم السن، ضعفوا، وعجزوا عن العمل، فلو عمروا أكثر مما عمروا، ما ازدادوا إلا ضعفًا، فلا يستطيعون أن يصلحوا ما أفسدوا في شبابهم. وقد عمرناهم مقدار ما يتمكنون من البحث، والتفكير، والتروي في عواقب الأمور ومصايرها، فلم يفعلوا وجاءتهم النذر فلم يهتدوا فمهما، طالت أعمارهم فلن يفيدهم ذلك، ولن يصلح من حالهم قليلًا ولا كثيرًا. ومثل هذه الآية قوله تعالى: {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا}، وقوله: {ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ (٥)}.

٦٩ - ولما قال كفار مكة: إن القرآن شعر، وإن محمدًا شاعر .. رد الله سبحانه


(١) البحر المحيط.