للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

شيطان، ألا ترى إلى امرىء القيس، وقد سلك هذا السبيل، ونهج هذا النهج، فقال:

أَيَقتُلُنِي والمَشْرفِيُّ مُضَاجِعيْ ... وَمسْنُونَةٌ زُرْقٌ كَأنْيَابِ أَغْوَالِ

فشبه سنان الرمح بأنياب الغول، ولم يرها، فشبه المحسوس بالمتخيل وإن كان غير مرئي، للدلالة على أنه غاية في القبح، وعلى العكس من هذا، تراهم يشبهون الصورة الحسنة بالملك، من قبل أنهم اعتقدوا فيه، أنه خير محض لا شر فيه، فارتسم في خيالهم بأبهى صورة، وعلى هذا جاء قوله تعالى حكاية عن صواحبات يوسف عليه السلام: {ما هذا بَشَرًا إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ}.

وقال الزجاج والفراء (١): الشياطين حيات هائلة، قبيحة المنظر، لها رؤوس وأعراف، جمع عرف بضم العين، وهو شعر تحت الرأس، وهي من أقبح الحيات وأخبثها، وأخفها جسمًا. وقيل: إن رؤوس الشياطين اسم لنبت قبيح، معروف باليمن، بناحية يقال لها: الأستن، ويقال له: الشيطان، قال النحاس: وليس ذلك معروفًا عند العرب، وقيل: هو شجر خشن منتن، مر، منكر الصورة، يسمى ثمره رؤوس الشيطان، يوجد بين مكة واليمن.

٦٦ - {فَإِنَّهُمْ}؛ أي: الكفار {لَآكِلُونَ مِنْها}؛ أي: من شجرة الزقوم، أو من طلعها، والتأنيث لاكتساب الطلع التأنيث من إضافته إلى الشجرة، {فَمالِؤُنَ مِنْهَا}؛ أي: من شجرة الزقوم {الْبُطُونَ}؛ أي: بطونهم، والمالىء اسم فاعل، من ملأ الإناء ماء كما سيأتي، والبطون: جمع بطن، وهو خلاف الظهر، وذلك لغلبة الجوع عليهم، أو أنهم يكرهون على أكلها حتى تمتلىء بطونهم، فهذا طعامهم وفاكهتهم بدل رزق أهل الجنة وفاكهتهم،

٦٧ - {ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ} بعد الأكل منها {عَلَيْها}؛ أي (٢): على الشجرة التي ملؤوا منها بطونهم بعد ما شبعوا منها، وغلبهم العطش، وطال استسقاؤهم كما ينبىء عنه كلمة {ثُمَّ} فتكون للتراخي الزماني، ويجوز أن تكون للرتبي، من حيث إن كراهة شرابهم وبشاعته، لما كانت أشد


(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.