للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أدل منه على الشمول والاستغراق، لدخول الملائكة والثقلين فيه. والمراد (١): الدعاء بثبات هذه التحية واستمرارها أبدًا في العالمين، من الملائكة والثقلين جميعًا. وفي «تفسير القرطبي»: جاءت الحية والعقرب لدخول السفينة، فقال نوح: لا أحملكما لأنكما سبب الضر والبلاء، فقالا: احملنا، فنحن نضمن لك أن لا نضر أحدًا ذكرك، فمن قرأ حين يخاف مضرتهما {سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ (٧٩)} لم يضراه، ذكره القشيري.

وفي «التأويلات النجمية»: يشير بهذا إلى أن المستحق لسلام الله، هو نوح روح الإنسان؛ لأنه ما جاء أن الله سلم على شيء من العالمين غير الإنسان، كما قال تعالى ليلة المعراج: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. فقال عليه السلام: «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين»، وما قال: وعلى ملائكتك المقربين. وإنما كان اختصاص الإنسان بسلام من بين العالمين؛ لأنه حامل الأمانة الثقيلة التي أعرض عنها غيره، فكان أحوج شيءٍ إلى سلام الله، ليعبر بالأمانة على الصراط المستقيم، الذي هو أدق من الشعرة، وأحد من السيف، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «تكون دعوة الرسل حينئذٍ، رب سلم سلم». وهل سمعت أن يكون لغير الإنسان العبور على الصراط، وإنما اختصوا بالعبور على الصراط؛ لأنهم يؤدون الأمانة إلى أهلها. وهو الله تعالى، فلا بد من العبور على صراط الله، الموصل إليه لأداء الأمانة، وقرأ ابن مسعود (٢) {سَلامًا} منصوبًا بتركنا.

٨٠ - ثم علل ما فعله به، بأنه جزاء على إحسانه فقال: {إِنَّا كَذلِكَ} الكاف متعلق بما بعدها؛ أي: مثل ذلك الجزاء الكامل، من إجابة الدعاء، وإبقاء الذرية، والذكر الجميل، وتسليم العالمين أبدًا، {نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}؛ أي: الكاملين في الإحسان والإخلاص، لا جزاءً أدنى منه، فهو تعليل لما فعل بنوح، من الكرامات السنية، بأنه مجازاة على إحسانه،

٨١ - وقوله: {إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (٨١)} تعليل لكونه من المحسنين، بخلوص عبوديته وكمال إيمانه، وفيه إظهار لجلالة قدر الإيمان وأصالة أمره، وترغيب في تحصيله والثبات عليه، وفي «كشف


(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.