للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{إِنِّي خالِقٌ} فيما سيأتي من الزمن {بَشَرًا}؛ أي: إنسانًا بادي البشر؛ أي: ظاهر الجلد، ليس على جلده صوف ولا شعر، ولا وبر، ولا ريش، ولا قشر، فإن قيل (١): كيف صح أن يقول لهم: إني خالق بشرا، وما عرفوا البشر، ولا عهدوا به قبل؟.

أجيب: بأنه يمكن أنه يكون قال لهم: إني خالق خلقًا من صفته كيت وكيت، ولكنه حين حكاه اقتصر على الاسم، اهـ «خطيب». {مِنْ طِينٍ}؛ أي: من تراب مبلول. متعلق بمحذوف، هو صفة لـ {بَشَرًا}، أو بخالق

٧٢ - {فَإِذا سَوَّيْتُهُ}؛ أي: صورته بالصورة الإنسانية والخلقة البشرية، أو سوّيت أجزاء بدنه بتعديل طبائعه، كما في الجنين الذي أتى عليه أربعة أشهر. فلا بد لنفخ الروح من هذه التسوية البتة. {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي}؛ أي: من الروح الذي أملكه، ولا يملكه غيري. وقيل: هو تمثيل لإضافة ما به الحياة بالفعل على المادة القابلة لها؛ لأن النفخ: إجراء الريح إلى تجويف جسم صلح لإمساكها والامتلاء بها، وليس ثمة نفخ ولا منفوخ، والمعنى حينئذ: فإذا أكملت استعداده، وأفضت عليه، ما يحيى به من الروح التي هي من أمري، وإضافته إلى نفسه لشرفه وطهارته، أو على سبيل التعظيم؛ لأن المضاف إلى العظيم عظيم، كما في بيت الله، وناقة الله .. {فَقَعُوا}؛ أي: فاسقطوا {لَهُ}؛ أي: لذلك البشر؛ أي: لتكريمه أمر من وقع، يقع حال كونكم {ساجِدِينَ} لاستحقاقه الخلافة، وهذا السجود من باب التحية والتكريم، فإنه لا يجوز السجود لغير الله تعالى، على وجه العبادة، لا في هذه الأمة، ولا في الأمم السابقة، وإنما شاع بطريق التحية للمتقدمين. ثم أبطله الإسلام، وفيه دليل على أن المأمور به، ليس مجرد انحناء كما قيل، وكذا في قوله: {ساجِدِينَ} فإن حقيقة السجود: وضع الجبهة على الأرض.

وقال بعضهم: نفخ الروح عندي، عبارة عن إظهارها في محلها، وعبر عنه بالنفخ؛ لأن البدن بعد ظهور الروح فيه، يكون كالمنفوخ المرتفع الممتلىء، ألا


(١) خطيب.