للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الذي سلكه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كما صح عنه من قوله: "يسروا ولا تعسّروا وبشّروا ولا تنفّروا".

وروى أحمد عن ثوبان مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قال: "ما أحب أن لى الدنيا وما فيها بهذه الآية": {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} إلى آخر الآية، فقال رجل: يا رسول الله، فمن أشرك، فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم قال: "ألا ومن أشرك" ثلاثَ مرات.

وروى أحمد أيضًا عن عمرو بن عنبسمة - رضي الله عنه - قال: جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - شيخ كبير، يتوكأ على عصًا له، فقال: يا رسول الله، إن لي غدراتٍ وفجرات، فهل يغفر لي؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: "ألست تشهد أن لا إله إلا الله"؟ قال: بلى، وأشهد أنه رسول الله، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "قد غفر لك غدراتك وفجراتك".

وروى البخاري عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن ناسًا من أهل الشرك، كانوا قد قتلوا وزنوا فأكثروا، فأتوا محمدًا - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن، لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة، فنزل: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} ونزل: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} والمراد من الآية الأولى قوله: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا ...} الآية.

فهذه الأحاديث كلها دالة على أن المراد: أنه يغفر جميع ذلك مع التوبة، والإخلاص في العمل، ولا يقنطنّ عبد من رحمة الله، فإن باب الرحمة واسع، كما قال عز وجل: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ}، وقال: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا}.

وروى الطبراني من طريق الشعبي عن سنيد بن شكل، أنه قال: سمعت ابن مسعود يقول: إن أعظم آيةٍ في كتاب الله: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}، وإن أجمع آيةٍ في القرآن بخير وشر: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ}، وإن أكثر آيةٍ في القرآن فرجًا في سورة الغرف: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} وإن أشد آيةٍ في كتاب الله تفويضًا: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} فقال له مسروق: صدقت.