للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الخطاب في قوله: {جَاءَتْكَ} و {كَذَّبْتَ} و {اسْتَكْبَرْتَ} و {كُنْتَ} باعتبار معنى النفس، وهو الإنسان؛ لأن النفس تطلق على المذكر والمؤنث، قال المبرّد: تقول العرب: نفس واحد؛ أي: إنسان واحد، وبفتح التاء في هذه المواضع قرأ الجمهور، وقرأ الجحدري وأبو حيوة ويحيى بن يعمر والزعفراني وابن مقسم ومسعود بن صالح والشافعي عن ابن كثير ومحمد بن عيسى باختياره ونصير والعبسي: بكسرها في جميعها، وهي قراءة أبي بكر الصديق وابنته عائشة وأم سلمة، ورويت عن ابن كثير، وروت القراءَتين أم سلمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقرأ الحسن والأعرج والأعمش: {جَاءَتْكَ} بالهمزة من غير مد، وهو مقلوب من {جاءتك}، قدمت لام الكلمة وأخرت العين، فسقطت الألف، كما سقطت في رمت {فَكَذَّبْتَ بِهَا}؛ أي: قلت: إنها ليست من عند الله تعالى {وَاسْتَكْبَرْتَ}؛ أي: تعظمت عن الإيمان بها {وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} والجاحدين بها.

والمعنى (١): أي إنه لا فائدة في شيء من تلك المقالات، فقد جاءتك آياتي في الدنيا على لسان رسولي الذي أرسلته إليك، وفي كتابي الذي يتلوه عليك، ويذكّرك بما فيه من وعد ووعيد، وتبشير وإنذار، فكذبت بها واستكبرت عن قبولها، وكنت ممن يعمل عمل الكافرين، ويستنّ بسنّتهم، ويتّبع مناهجهم.

وفي "التأويلات النجمية": {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي} من الأنبياء ومعجزاتهم، والكتب وحكمها ومواعظها وأسرارها وحقائقها ودقائقها وإشاراتها {فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ} عن اتباعها، والقيام بشرائطها {وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ}؛ أي: كافري النعمة، بما أنعم الله به عليك من نعمة وجود الأنبياء، وإنزال الكتب، وإظهار المعجزات.

٦٠ - {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ} لرب العالمين {تَرَى} وتبصر أو تعلم يا محمد {الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ} سبحانه وتعالى بأن وصفوه بما لا يليق بشأنه، كاتخاذ الولد والصاحبة والشريك حال كونهم {وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ} لما أحاط بهم من العذاب، وشاهدوه من غضب الله ونقمته، وقوله: {وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ}: مبتدأ وخبر، والجملة: حال (٢) قد اكتفي فيها بالضمير عن الواو، على أن الرؤية بصرية، أو مفعول ثان لها على أنها


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.