للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{الْبِرَّ} على جعله خبر {لَيْسَ} مقدمًا على الاسم، و {أَنْ تُوَلُّوا} في موضع الرفع اسم {لَيْسَ} مؤخر، والمعنى: ليس توليةُ وجوهكم جهة المشرق والمغرب البر كله، وهذه القراءة أولى من وجه، وهو أنه جعل فيها اسم ليس أن تولوا، وجعل الخبر البر، وأن وصلتها أقوى في التعريف من المعرف بالألف واللام، وقرأ الجمهور برفع البر، والمعنى: ليس البرُّ والخير الكامل توليةَ وجوهكم إلى المشرق والمغرب، والوجه أن يلي المرفوع لـ {لَيْسَ}؛ لأنها بمنزلة الفعل المتعدي، وقراءة الجمهور أولى من وجه، وهو أن توسط خبر ليس بينها وبين اسمها قليل.

وفي مصحف أُبي وعبد الله {ليس البر بأن تولوا} وخرج على زيادة الباء في خبر {ليس} وقال الأعمش في مصحف عبد الله أيضًا: {لا تحسبن البر} وكلاهما شاذ.

وهذا الخطاب (١) لأهل الكتاب؛ لأن النصارى تصلي قبل مشرق بيت المقدس، واليهود قبل مغربه، وادعى كل واحد من الفريقين أن البر هو التوجه إلى قبلته، فرد الله تعالى عليهم، وقال: ليس البر ما أنتم عليه فإنه منسوخ، ولكن البر ما بينه الله، واتبعه المؤمنون، وقيل: الخطاب عام لهم وللمسلمين، أي: ليس البر مقصورًا بأمر القبلة، أو ليس البر العظيم الذي يحسن أن تذهلوا بشأنه عن غيره أمرها. {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}: والبر اسم جامع لكل الطاعات وأعمال الخير المقربة إلى الله الموجبة للثواب، والمؤدية إلى الجنة، فهو معنى من المعاني، فلا يصح الإخبار عنه بالذوات إلا بتجوز، إما بحذف مضاف من الأول تقديره: ولكن ذا البر وصاحبه من آمن بالله، ويؤيده قراءة من قرأ شذوذًا: {ولكن البار} بالألف بعد الباء الموحدة، أو من الثاني تقديره: ولكن البر الذي ينبغي أن يهتم به بر من آمن باللهِ، وهذا أوفق وأحسن، ويحتمل (٢) كون البر اسم فاعل، يقال: بررت أبر، فأنا برّ وبارّ، فبنى اسم فاعله


(١) لباب النقول.
(٢) البيضاوي.