للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الجحود والإنكار وأهل الاعتراض، كما كانوا في عهد كل نبي ورسول، وقال قتادة والسدي: ليقتلوه، والأخذ قد يرد بمعنى الإهلاك، كقوله تعالى: {ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} والعرب تسمي الأسير الأخيذ.

وقرأ الجمهور: {بِرَسُولِهِمْ}، وقرأ عبد الله: {برسولها}، عاد الضمير إلى لفظ أمة.

والمعنى: أي وحرصت كل أمة على تعذيب رسولهم بحبسه وإصابة ما أرادوا منه {وَجَادَلُوا}؛ أي: وخاصموا رسولهم {بِالْبَاطِلِ} من القول الذي لا أصل ولا حقيقة له أصلًا. قال في "فتح الرحمن": الباطل: ما كان فائت المعنى من كل وجه، مع وجود الصورة، إما لانعدام الأهلية، أو لانعدام المحلية، كبيع الخمر وبيع الصبي، انتهى. {لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ}؛ أي: ليزيلوا بذلك الباطل، الحق الذي لا محيد عنه، كما فعل هؤلاء المشركون من قومك؛ أي: وخاصموا رسولهم بالباطل، بإيراد الشبه التي لا حقيقة لها، كقولهم: {مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا} ليبطلوا به الحق الذي جاء به من عند الله تعالى، وليطفئوا النور الذي أوتيه.

قال يحيى بن سلام: جادلوا الأنبياء بالشرك؛ ليبطلوا الإيمان {فَأَخَذْتُهُمْ} بالإهلاك جزاء لهمّهم بالأخذ {فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ}؛ أي: عقابي الذي عاقبتهم به، فإن آثار دمارهم ترونها حين تمرون على ديارهم عبرة للناظرين، ولآخذنّ هؤلاء أيضًا لاتحادهم في الطريقة، واشتراكهم في الجريمة.

والاستفهام فيه (١) استفهام تعجيب من استئصالهم، واستعظام لما حل بهم، وليس استفهامًا عن كيفية عقابهم، واجتزأ بالكسر عن ياء الإضافة؛ لأنها فاصلة، والأصل: عقابي.

والمعنى (٢): فأهلكتهم واستأصلت شأفتهم، فلم أبق منهم ديارًا ولا نافخ نار، وصاروا كأمس الدابر، وإنكم لتمرون على ديارهم مصبحين وممسين، كما قال: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (١٣٧) وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (١٣٨)}

٦ - وهكذا سأفعل بقومك إن هم أصروا على الكفر والجدل في آيات الله، وإلى ذلك أشار بقوله: {وَكَذَلِكَ حَقَّتْ


(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.