للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال: أعوذ بالله عند توجه الآفات والمخافات، فالله يصونه عن كل الآفات والمخافات من شياطين الإنس.

والمعنى (١): أي إني استجرت بالله ربي وربكم، واستعصمت به من شر كل مستكبر لا يذعن للحق، ولا يؤمن بيوم يحاسب الله فيه الخلائق، فيجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بما أساء، وإنما خص الاستعاذة بمن جمع بين الاستكبار والتكذيب بالجزاء؛ لأنهما عنوان قلة المبالاة بالعواقب، وعنوان الجرأة على الله وعلى عباده، فمن لم يؤمن بيوم الحساب .. لم يكن للثواب على الإحسان راجيًا، ولا من العقاب على الإساءة وقبيح ما يأتي من الأفعال خائفًا، وإنما لم يسم فرعون باسمه، بل ذكره بوصف يعمه وغيره من جبابرة أركانه وغيرهم؛ لتعميم الاستعاذة والإشعار بعلة القساوة والجرأة على الله، وهي التكبر وما يليه من عدم الإيمان بالبعث، وإنما قال: {مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ} ولم يقل منه سلوكًا لطريق التعريض، وتحاشيًا مما قد يعرض له من الأذى إذا هو سمع كلامه، فهو واف بالغرض، ومبين للعلة

التي لأجلها أبى واستكبر.

فائدة: سئل أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - أي ذنب أخوف على سلب الإيمان؟ قال: ترك الشكر على الإيمان, وترك خوف الخاتمة، وظلم العباد، فإن من كان فيه هذه الخصال الثلاث .. فالأغلب أن يخرج من الدنيا كافرًا إلا من أدركته السعادة.

وفي الخبر: "إن الله سخر الريح لسليمان عليه السلام فحملته وقومه على السرير، حتى سمعوا كلام أهل السماء، فقال ملك - لآخر إلى جنبه -: لو علم الله في قلب سليمان مثقال ذرة من كبر .. لأسفله في الأرض مقدار ما رفعه مِنَ الأرض إلى السماء".

وفي الحديث: "ما من أحد إلا وفي رأسه سلسلتان: إحداهما إلى السماء السابعة، والأخرى إلى الأرض السابعة، فإذا تواضع .. رفعه الله بالسلسلة التي في السماء السابعة، وإذا تكبر .. وضعه الله بالسلسلة التي في الأرض السابعة" فالمتكبر


(١) المراغي.