للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثم بيَّن أنّ هذه سنة الله فيهم وفي أمثالهم فقال: {كَذَلِكَ}؛ أي: كما طبع الله سبحانه على قلوب المسرفين الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم وختم عليها {يَطْبَعُ اللَّهُ} سبحانه، ويختم {عَلَى كُلِّ قَلْبِ} شخص {مُتَكَبِّرٍ} عن الإيمان {جَبَّارٍ} عن قبول الحق والهدى، فيصدر عنه أمثال ما ذكر من الإسراف والارتياب والمجادلة بالباطل.

أي (١): يطبع على قلوب جميع المتكبرين الجبارين الذين أبو أن يوحدوا الله تعالى ويصدقوا رسله، واستعظموا عن اتباع الحق، فيصدر عنهم أمثال ما ذكر من الإسراف وغيره مما مرّ قريبًا.

قال صاحب "الروح": واعلم (٢): أنّ الطابع هو الله تعالى، والمطبوع هو القلب، وسبب الطبع هو التكبّر والجبارية، وحكمه أن لا يخرج من القلب ما فيه من الكفر والنفاق والزيغ والضلال، فلا يدخل فيه ما في الخارج من الإيمان والإخلاص والسداد والهدى، وهو أعظم عقوبة من الله سبحانه، فعلى العاقل أن يتشبّث بالأسباب المؤدّية إلى شرح الصدر لا إلى طبع القلب، قال إبراهيم الخوَّاص: - رحمه الله -: دواء القلب خمسة: قراءة القرآن بالتدبّر، وخلاء البطن، وقيام الليل، والتضرّع إلى الله عند السحر، ومجالسة الصالحين.

وقرأ الجمهور (٣): بإضافة {قَلْبِ} إلى {مُتَكَبِّرٍ} واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم، وعليها ففي الكلام حذف تقديره: كذلك يطبع الله على كل قلب كل شخص متكبر جبار، فحذف كل الثاني لدلالة الأول عليه.

والمعنى: أنه سبحانه يطبع على قلوب جميع المتكبرين الجبارين.

وقرأ أبو عمرو وابن محيصن وابن ذكوان عن أهل الشام، والأعرج بخلاف عنه: بتنوين {قلب} على أنّ {متكبّر} صفة له فيكون القلب مرادًا به الجملة، ونسب التكبر إلى القلب؛ لأنه هو الذي يتكبَّر وسائر الأعضاء تبع له، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) الشوكاني.