للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثم بين السبب الذي دعاه إلى ما صنع، فقال: {وَكَذَلِكَ}؛ أي: ومثل ذلك التزيين البليغ المفرط {زُيِّنَ} وحسَّن {لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ}؛ أي: عمله السيء فانهمك فيه انهماكًا بليغًا لا يرعوي عنه بحال {وَصُدَّ}؛ أي: صرف فرعون ومنع {عَنِ السَّبِيلِ}؛ أي: عن سبيل الرشاد، والفاعل في الحقيقة هو الله تعالى، وبالتوسط هو الشيطان، ولذا قال في آية أخرى: {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ} وهذا عند أهل السنة، وأما عند المعتزلة فالمزيّن والصاد هو الشيطان.

أي (١): ومثل ذلك التزيين المذكور من بناء الصلاح والإطلاع إلى إله موسى، زيّن الشيطان لفرعون عمله السيىء من الشرك والتكذيب، فتمادى في غيّه واستمرّ في طغيانه، ولم يرعو عنه بحال، وصدّ عن سبيل الرشاد بأمثال هذه التمويهات والشبهات، وما كان ذلك إلا بسوء استعداده وتدسيته نفسه، والسير بها قدمًا في شهواتها، دون أن يكون لها وازع يصدها عن غيّها، ويثوب بها إلى رشدها.

والنفسُ كالطِّفلِ إِنْ تهملْهُ شبَّ على ... حُبِّ الرضاعِ وإِنْ تفطمْهُ يَنفَطِمِ

وقرأ الجمهور (٢): {وَصُدَّ} بفتح الصاد والدال؛ أي: صد فرعون الناس عن السبيل، وقرأ الكوفيون: {وصدَّ} بضم الصاد مبنيًا للمفعول، واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم، ولعل وجه الاختيار لها منهما كونها مطابقة لما أجمعوا عليه في {زُيِّنَ} من البناء للمفعول، وقرأ يحيى بن وثّاب وعلقمة: {صدّ} بكسر الصاد وقرأ ابن أبي إسحاق وعبد الرحمن بن أبي بكرة بفتح الصاد وضم الدال منوّنًا على أنه مصدر معطوف على {سُوءُ عَمَلِهِ}؛ أي: زين له الشيطان سوء العمل والصدّ.

ثم ذكر عاقبة مكره وتدليسه وأنه ذاهب سدًى، وأنّ الله ناصرٌ أولياءَهُ ومهلكٌ أعداءَهُ، متَبّرُ ما هم فيه وباطلٌ ما كانوا يعملون، وإلى هذا أشار بقوله: {وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ} واحتياله الذي يحتال به ليطلع على إله موسى {إِلَّا فِي تَبَابٍ}؛ أي: إلا في خسار وهلاك وذهاب مال؛ لأنها نفقة تذهب باطلًا سُدًى، دون أن يصل إليه شيء مما أراده من القضاء على دعوة موسى، فالنصر في العاقبة له {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}.


(١) المراغي.
(٢) الشوكاني.