للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فإذا ثبت أن الله تعالى يجيب الدعوات، لا ما سواه من الأصنام ونحوها .. فلا بد من توحيده، وإخلاص الطاعة والعبادة له، وعرض الافتقار إليه، إذ لا ينفع الغير لا في الدنيا ولا في الآخرة، جعلنا الله سبحانه وإياكم من التابعين للهدى، المحفوظين من الهوى، آمين.

٥١ - وجملة قوله: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا}: مستأنفة من جهته تعالى، والإتيان بالنون دلالةً على استحقاقه العظمة، أو باعتبار الصفات أو المظاهر، والنصر: العون؛ أي: نجعلهم الغالبين لأعدائهم القاهرين لهم، والموصول في قوله: {وَالَّذِينَ آمَنُوا}: معطوف على {رُسُلَنَا}؛ أي: لننصر رسلنا وننصر الذين آمنوا معهم واتبعوهم {فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} بالحجة والظفر والانتقام لهم من الكفرة بالاستئصال والقتل والسبي وغير ذلك من العقوبات، ولا يقدح في ذلك ما قد يتفق لهم من صورة المغلوبية امتحانًا، إذ العبرة إنما هي بالعقوبات وغالب الأمر، وأيضًا ما يقع في بعض الأحيان من الانهزام إنما كان يعارض كمخالفة أمر القائد، كما في غزوة أحد، وكطلب الدنيا والعجب والغرور كما في بعض وقائع المؤمنين، وأيضًا أن الله تعالى ينتقم من الأعداء ولو بعد حين، كما بعد الموت؛ ألا ترى أن الله انتقم ليحيى عليه السلام بعد استشهاده من بني إسرائيل، بتسليط بختنصر عليهم حتى قُتل منهم سبعون ألفًا.

والظاهر (١) في دفع التعارض بين قوله تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا} وبين قوله: {وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} ما قاله ابن عباس - رضي الله عنهما - والحسن - رحمه الله تعالى - من أنه: لم يقتل من الأنبياء إلا من لم يؤمر بقتال، وكل من أمر بقتال نصر كما في "تفسير القرطبي" في سورة البقرة، وكان زكريا ويحيى وشعيب ونحوهم عليهم السلام ممن لم يؤمر بقتال {وَ} ننصرهم {يَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} وهو يوم القيامة؛ أي: لننصرنهم في الدنيا والآخرة، وعبّر عن يوم القيامة بذلك للاشعار بكيفية النصرة، وإنها تكون عند جمع الأولين والآخرين بشهادة الأشهاد للرسل بالتبليغ، وعلى الكفرة بالتكذيب، وهم الملائكة والمؤمنون من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ}.


(١) روح البيان.