للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

في اللغة. {وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ}؛ أي: البعد عن الرحمة {وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}؛ أي: الدار السيء، والمقر الفظيع، وهي جهنم بخلاف المؤمنين العارفين، فإنهم تنفعهم معذرتهم لتنصلهم، فلهم من الله الرحمة ولهم حسن الدار، وإنما قال: {سُوءُ الدَّارِ} (١): فإن جهنم حرها شديد، وقعرها بعيد، وحليها حديد، وشرابها صديد، وكلامها هل من مزيد، وأسوأ الظالمين المشركون كما قال تعالى حكايةً عن لقمان: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} وأسوأ المشركين المنافقون، كما قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ في الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} لاستهزائهم بالمؤمنين.

فليحذر العاقل عن الظلم سواء كان لنفسه بالإشراك والمعصية، أو لغيره بكسر العرض وأخذ المال ونحوهما, وليتذكر الإنسان يومًا بقول فيه الظالمون: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (٣٧)} فيجيبهم الله تعالى: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ}. وروي أن أهل النار يبكون بكاءً شديدًا حتى الدم، فيقول مالك: ما أحسن هذا البكاء لو كان في الدنيا.

فعلم: أنه لا تنفع المعذرة والبكاء في الآخرة، فليتدارك العاقل تقصيره في الدنيا بالندامة والصلاح والتقوى، ليستريح في الآخرة، ويصل إلى الدرجات العلى، مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين، فمن أراد اللحوق بزمرتهم فليكن على حالهم وسيرتهم، فإن الله ينصرهم في دنياهم وآخرتهم، فإن طاعة الله وطاعة الرسول توصل العبد إلى المراد وإلى حيز القبول.

والمعنى (٢): أي إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا يوم لا ينفع أهل الشرك اعتذارهم, لأنهم لا يعتذرون إلا بباطل، كما حكى سبحانه عنهم من قولهم: {وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} {وَلَهُمْ} في هذا اليوم طرد من رحمة الله تعالى، ولهم شر ما في الآخرة من العذاب الأليم، والقرار في سواء الجحيم.

٥٣ - ولما بين سبحانه أنه ينصر الأنبياء والمرسلين في الدنيا والآخرة .. ذكر نوعًا


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.