للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

في صدورهم إلا كبر؛ أي: تكبر على محمد - صلى الله عليه وسلم -، وطمع أن يغلبوه وما هم ببالغي ذلك.

والمعنى (١): أي إن الذين يخاصمونك أيها الرسول فيما أتيتهم به من عند ربك من الآيات بغير حجة، وهم المشركون أوِ اليهود، ما يحملهم على هذا الجدال إلا كبر في صدورهم يمنعهم عن اتباعك، وعن قبول الحق الذي جئتهم به، إذ لو سلموا بنبوّتك .. لزمهم أن يكونوا تحت لوائك، وطوع أمرك ونهيك, لأن النبوة ملك ورياسة، وهم في صدورهم كبر لا يرضون معه أن يكونوا في خدمتك، وما هم ببالغي موجب الكبر، وهو دفع الرياسة والنبوة عنك، فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وليس ذلك بالذي يدرك بالأماني.

والخلاصة: أنه ما يحملهم على تكذيبك إلا ما في صدورهم من الكبر والحسد لك، وما هم ببالغي إرادتهم فيه، فإن الله قد أذلّهم.

قال المفسرون: قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ} الآية، وإن نزل في مشركي مكة، لكنه عام لكل مجادل مبطل، فإن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب.

ثم أمر رسوله أن يستعيذ من هؤلاء المجادلين المستكبرين، فيقيه من أذاهم وشرهم، ويكلؤه ويحفظه منهم، فقال: {فَاسْتَعِذْ} يا محمد {بِاللهِ} سبحانه والتجىء إليه من شرهم وكيدهم وبَغيهمْ عليك، واطلب السلامة منه من كيد كل من يحسدك ويبغي عليك {إِنَّهُ} سبحانه {هُوَ السَّمِيعُ} لأقوالهم {الْبَصِيرُ} لأفعالهم، لا تخفى عليه من ذلك خافية.

وقيل (٢): المجادلون هم اليهود كما مرت الإشارة إليه، وكانوا يقولون لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لست صاحبنا المذكور في التوراة، بل هو المسيح بن داود، يريدون أن الدجال يخرج في آخر الزمان، ويبلغ سلطانه البر والبحر، وتسير معه الأنهار، وهو آية من آيات الله تعالى، فرِجع إلينا الملك، فسمى الله تمنيهم ذلك كبرًا، ونفى أن يبلغوا متمنّاهم، فإن الدجال وإن كان يخرج في آخر الزمان، لكنه


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.