للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وَمَنْ عَاشَ شَبَّ وَمَنْ شَبَّ شَابَ ... وَمَنْ شَابَ شَاخَ وَمَنْ شَاخَ مَاتَ

روي: أن أبا بكر - رضي الله عنه - قال: يا رسول الله، قد شبت فقال: "شيبتني هود وأخواتها"؛ يعني: سورة هود، وكان الشيب برسول الله - صلى الله عليه وسلم - قليلًا، يقال: كان شاب منه إحدى وعشرون شعرةً بيضاء، ويقال: سبع عشرة شعرة. قال أنس: لم يكن في رأسه ولحيته عشرون شعرةً بيضاء، وقال بعض الصحابة: ما شاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وسئل آخر منهم، فأشار إلى عنفقته؛ يعني كان البياض في عنفقته؛ أي: في شعيرات بين الشفة السفلى والذقن، وإنما اختلفوا لقلتها، يقال: كان إذا ادهن خفي شيبة.

والحاصل (١): أن {اللام} التعليلية في {لِتَبْلُغُوا}: معطوفة على علة أخرى ليخرجكم مناسبة لها، والتقدير: لتكبروا شيئًا فشيئًا، ثم لتبلغوا غاية الكمال، وقوله {ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا} معطوف على {لِتَبْلُغُوا}.

وقرأ نافع وحفص وأبو عمرو وابن محيصن وهشام: {شُيُوخًا} بضم الشين، وقرأ الباقون: بكسرها، وقرىء: {شيخًا} بالإفراد لقوله: طفلًا.

يعني: أن مراتب الإنسان بعد خروجه من بطن أمه ثلاث: الطفولية وهي حالة النمو، والزيادة إلى أن يبلغ كمال الأشد من غير ضعف، ثم يتناقص بعد ذلك وهي الشيخوخة، {وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى}؛ أي: يقبض روحه ويموت {مِنْ قَبْلُ}؛ أي: من قبل الشيخوخة بعد بلوغ الأشد أو قبله أيضًا، وقوله: {وَلِتَبْلُغُوا}: متعلق (٢) بفعل مقدر بعده؛ أي: ولتبلغوا جميعًا {أَجَلًا مُسَمًّى}؛ أي: وقتًا محدودًا معينًا لا تتجاوزونه هو وقت الموت، أو يوم القيامة يفعل ذلك؛ أي: ما ذكر من خلقكم من تراب وما بعده من الأطوار المختلفة، ولكون المعنى على هذا لم يعطف على ما قبله من {لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ} و {لِتَكُونُوا شُيُوخًا}، وإنما قلنا: أو يوم القيامة؛ لأن الآية تحتوي على جميع مراتب الإنسان، من مبدأ فطرته إلى منتهى أمره، فجاز أن يراد أيضًا يوم الجزاء؛ لأنه المقصد الأقصى، وإليه كمِّيَّةُ الأحوال {وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون}؛ أي: ولكي تعقلوا ما في ذلك الانتقال من طور، إلى طور من فنون


(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.