للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يعرف موضعهما، وذلك (١) قبل أن يقرن بهم آلهتهم، فإن النار فيها أمكنة متعددة، وطبقات مختلفة، فلا مخالفة بينه وبين قوله تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} أو ضاعوا عنا فلم نجد ما كنا نتوقع منهم، على أن يكون {ضل} بمعنى ضاع وهلك، تنزيلًا لوجودهم منزلة الضيفاع والهلاك، لفقدهم النفع الذي يتوقعونه منهم، وإن كانوا مع المشركين في جميع الأوقات.

ثم أضربوا عن ذلك، وانتقلوا إلى الإخبار بعدمهم، وأنه لا وجود لهم، فقالوا: {بَل} تبين لنا أنا {لَمْ نَكُنْ نَدْعُو} ونعبد {مِنْ قَبْلُ}؛ أي: في الدنيا بعبادتهم {شَيْئًا} ينفع لما ظهر لنا اليوم، أنهم لم يكونوا شيئًا يعتد به، كقولك: حسبته شيئًا فلم يكن؛ أي (٢): بل لم نكن نعبد من قبل هذا البعث شيئًا يضر وينفع، ويبصر ويسمع، وهذا اعتراف بأن عبادتهم الأصنام كانت باطلةً، قالوا ذلك: لما تبين لهم ما كانوا فيه من الضلالة والجهالة، وأنهم كانوا يعبدون ما لا ينفع ولا يضر. وليس هذا إنكار لوجود عبادتهم لها، بل اعتراف ببطلانها وعدم نفعها لم، أو المعنى: بل لم نكن نعبد من قبل هذا اليوم شيئًا من دون الله أصلًا، فيكون إنكارًا لعبادة الأصنام {كَذَلِكَ}؛ أي (٣): مثل ضلال آلهتهم عنهم {يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ} عن آلهتهم، حتى لو طلبوا الالهة أو طلبتهم الالهة .. لم يتصادفوا، وهذا بالنظر إلى التفسير الأول في قوله: {ضَلُّوا عَنَّا}؛ أي: غابوا عن أعيننا، أو كما أضل الله هؤلاء المجادلين حيث لم يهتدوا في الدنيا إلى شيء ينفعهم في الآخرة، من العقائد الصحيحة، والأعمال الصالحة، يضل الله سائر الكافرين، الذين علم منهم اختيار الضلالة على الدين، وهذا بالنظر إلى التفسير الثاني في {ضَلُّوا عَنَّا}، ومعنى إضلال الله سبحانه عبده: هو عدم عصمته إياه مما نهاه عنه، وعدم معونته وإمداده بما يتمكن به من الإتيان بما أمره به، أو الانتهاء عما نهاه عنه، كما في "تفسير الفاتحة" للشيخ صدر الدين القنوي - رحمه الله -.

والمعنى (٤): أي ثم يسألون، ويقال لهم: أين الأصنام التي كنتهم تعبدونها من


(١) روح البيان.
(٢) المراح.
(٣) النسفي.
(٤) المراغي.