للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وكان (١) مقتضى النظم القرآني أن يقال: فبئس مدخل المتكبرين، ليناسب عجز الكلام صدره كما يقال: زر بيت الله فنعم المزار، فصلّ في المسجد الحرام فنعم المصلى، لكن لما كان الدخول المقصود بالخلود سبب الثواء؛ أي: الإقامة .. عبّر بالمثوى الذي هو محل الإقامة، فاتحد آخر الكلام بأوله.

وفي الآية: ذمّ الكبر، فلا بدّ من علاجه بضدّه وهو التواضع، وعن بعض الحكماء افتخر الكلأ في المفازة على الشجر، فقال: أنا خير منك، يرعاني البهائم التي لا تعصي الله طرفة عين، فقال الشجر: أنا خير منك، يخرج منّي الثمار ويأكلها المؤمنون، وتواضع القصب، قال: لا خير فيّ، لا أصلح للمؤمنين ولا للبهائم، فلما تواضع رفعه الله، وخلق فيه السكّر الذي هو أحلى شيء، فلما نظر إلى ما وضع الله فيه من الحلاوة وتكبّر، فأخرج الله منه رأس القصب، حتى اتخذ منه الآدميون المكنسات، فكنسوا بها القاذورات، فهذا حال كبر غير المكلف، فكيف حال المكلف؟

٧٧ - ثم أمر الله سبحانه رسوله - صلى الله عليه وسلم - بالصبر، فقال: {فَاصْبِرْ} يا محمد على أذيّة قومك لك، بسبب تلك المجادلات وغيرها، إلى أن يلاقوا ما وعدت لهم من العذاب {إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ}؛ أي: إنّ وعده بتعذيبهم والانتقام منهم {حَقٌّ}؛ أي: ثابت كائن لا محالة، إما في الدنيا أو في الآخرة، ولهذا قال: {فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ}؛ أي: فإن نرك، و {مَا}: مزيدة لتأكيد الشرطية، ولذا لحقت النون الفعل، ولا تلحقه مع إن وحدها، فلا تقول: إن تكرمني .. أكرمك بنون التأكيد، بل إما تكرمني .. أكرمك؛ أي: فإن نرك يا محمد في الدنيا {بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ} من العذاب بالقتل والأسر والقهر، وجوابه: محذوف؛ أي: فذاك {أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ} قبل أن تراه؛ أي: أو نُمتْكَ قبل إنزال العذاب بهم {فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} وهو جواب {نَتَوَفَّيَنَّكَ}؛ أي: يردون إلينا يوم القيامة لا إلى غيرنا لنجازيهم بأعمالهم.

ومعنى الآية (٢): أي فاصبر أيها الرسول على ما يجادلك به هؤلاء المشركون في آيات الله التي أنزلها عليك، وعلى تكذيبهم إيّاك، فإن الله منجز لك فيهم ما وعدك، من الظفر بهم، والعلوّ عليهم، وإحلال العقاب بهم، إما في الدنيا وإما في


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.