للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} لاستغنائك عن ذلك، تخفيفًا لك عمَّا لا يعنيك، وهذا أمارة كمال العناية فيما قصّ عليه، وفيما لم يقصص عليه.

والمعنى: أي ولقد أرسلنا رسلًا وأنبياء من قبلك إلى أممهم، منهم من أنبأناك بأخبارهم في القرآن، وبما لاقوه من قومهم، وهم خمسة وعشرون، ومنهم من لم نقصص عليك فيه خبرهم، ولا أوصلنا إليك علم ما كان بينهم وبين أقوامهم.

{وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ}، أي: وما صحّ وما استقام لرسول منهم {وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ} ومعجزة تقترح عليه {إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} وإرادته، لا من قبل نفسه فإن المعجزات تشعب فنونها عطايا من الله تعالى، قسمها بينهم حسبما اقتضته مشيئته المبنيّة على الحكم البالغة، كسائر القسم، ليس لهم اختيار في إيثار بعضها، ولا استبداد بإتيان المقترح بها، وفيه تسلية لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كأنه قيل: ما من رسول من قبلك سواء كان مذكورًا أو غير مذكور، أعطاه الله آيات ومعجزات إلا جادله قومه فيها، وكذّبوه عنادًا وعبثًا، فصبروا وظفروا، فاصبر كما صبروا، تظفر كما ظفروا {فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ} سبحانه بالعذاب في الدنيا والآخرة .. {قُضِيَ بِالْحَقِّ}؛ أي: حكم بين الرسل ومكذّبيهم بإنجاء المحق، وإهلاك المبطل وتعذيبه {وَخَسِرَ}؛ أي: هلك أو تحقّق، وتبيّن أنه خسر {هُنَالِكَ}؛ أي: وقت مجيء أمر الله تعالى، وهو اسم مكان استعير للزمان {الْمُبْطِلُونَ} المتمسّكون بالباطل على الإطلاق، فيدخل فيهم المعاندون المقترحون دخولًا أوليًا، جمع مبطل، والمبطل: صاحب الباطل والمتمسك به العامل له، كما أن المحق صاحب الحق والعامل به، والباطل؛ ضد الحق.

ولم يقل هنا (١): وخسر هنالك الكافرون، لما سبق من نقيض الباطل الذي هو الحق. كما في "برهان القرآن". وفي الآية إشارة إلى أنه يجب الرجوع إلى الله قبل أن يجيء أمرُه وقضاؤه بالموت والعذاب، فإنه ليس بعده إلا الأحزان.

وحاصل المعنى (٢): أي وليس في الرسل أحد إلا آتاه الله آيات ومعجزات جادله قومه فيها وكذّبوه، وجرى عليه من الإيذاء ما يقارب ما جرى عليك، فصبر على ما أوذي، وكانوا يقترحون عليه المعجزات على سبيل التعنّت والعناد، لا


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.