للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فامتنع القبول؛ لأنهم لم يأتوا به في الوقت المأمور به، لذلك قيل: {فَلَمْ يَكُ} بمعنى: لم يصحّ ولم يستقم، فإنه أبلغ في نفي النفع من لم ينفعهم إيمانهم، وهذه الفاء: للعطف على {آمَنُوا} كأنه قيل: فآمنوا فلم ينفعهم، لأنّ النافع هو الإيمان الاختياري الواقع مع القدرة على خلافه، ومن عاين نزول العذاب .. لم يبق له القدرة على خلاف الإيمان فلم ينفعه، وعدم نفعه في الدنيا دليل على عدم نفعه في الآخرة.

والمعنى (١): أي فلم يفدهم إيمانهم عندما عاينوا عقابنا، وحين نزل بهم عذابنا، ومضى فيهم حكمنا، فمثل هذا الإيمان لا يفيد شيئًا، كما قال تعالى لفرعون حين الغرق وحين قال: {آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ} {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (٩١)}.

وبعد إذ ذكر سبحانه أنّ هذه سنته فيهم وفي أمثالهم من المكذّبين فقال: {سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ} وقوله: {سُنَّتَ اللَّهِ} (٢): من المصادر المؤكدة لفعل محذوف، و {خَلَتْ} من الخلوّ، يستعمل في الزمان والمكان، لكن لما تصوّر في الزمان المضي .. فسّر أهل اللغة قولهم: خلا الزمان، بقولهم: مضى وذهب؛ أي: سنّ الله سبحانه عدم قبول إيمان من آمن وقت رؤية البأس ومعاينته، سنةً ماضيةً في عباده مطّردةً؛ أي: في الأمم السالفة المكذبة كلها، ويجوز أن ينتصب {سُنَّتَ اللَّهِ} على التحذير؛ أي: احذروا يا أهل مكة سنة الله المطّردة في المكذبين السابقين، والأول أولى، والسنة: الطريقة والعادة المسلوكة، وسنة الله: طريقة حكمته.

والمعنى: أي وهكذا كانت سنة الله في الذين سلفوا، إذا عاينوا عذابه أن لا ينفعهم إيمانهم حينئذ، بعد أن جحدوا به، وأنكروا وحدانيته، وعبدوا من دونه من الأصنام والأوثان.

وقصارى ذلك (٣): أن حكم الله في جميع من تاب حين معاينة العذاب أن لا تقبل منه توبة، وقد جاء في الحديث: "إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر"؛ أي:


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.