للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

محول عن المبتدأ؛ أي: وقول من أحسن {مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ}؛ أي: من قول من دعا غيره إلى توحيده وطاعته {وَعَمِلَ صَالِحًا} فيما بينه وبين ربه {وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} ابتهاجًا وسرورًا بأنه منهم، واتخاذًا للإسلام دينًا ونحلةً، إذ لا يقبل طاعةً بغير دين الإِسلام، من قولهم: هذا قول فلان؛ أي: مذهبه، لا أنه تكلم بذلك فحسب.

وقرأ ابن أبي عبلة وإبراهيم بن نوح عن قتيبة الميال: {إنى} بنون واحدة مشددة، والجمهور: {إنَّنِى} بها وبنون الوقاية. وفيه رد على من يقول: أنا مسلم - إن شاء الله - فإنه تعالى قال مطلقًا غير مقيد بشرط إن شاء الله. وقال علماء العقائد: إن قاله للشك .. فهو كفر لا محالة، وإن كان للتأدب مع الله، وإحالةً للأمور إلى مشيئة الله تعالى أو للشك في العاقبة والمآل، لا في الآن والحال، أو للتبرك بذكر الله، أو للتبرُّؤ من تزكية نفسه، والإعجاب بحاله .. فجائز، لكن الأولى تركه لما أنه يوهم الشك.

والمعنى: لا أحد أحسن قولًا ممن جمع بين هذه الخصال الثلاث، وحكم الآية عام لكل من جمع ما فيها من الخصال الحميدة، التي هي الدعوة إلى الله والعمل الصالح، وهو تأدية ما فرضه الله عليه مع اجتناب ما حرمه عليه، والقول المذكور؛ أي: كونه من المسلمين دينًا لا من غيرهم، فلا شيء أحسن منه، ولا أوضح من طريقه، ولا أكثر ثوابًا من عمله، وإن نزلت في رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو في أصحابه - رضي الله عنهم - أو في المؤذنين، فإنهم يدعون الناس إلى الصلاة، فالأولى حمل الآية على العموم، كما يقتضيه اللفظ، ويدخل فيها من كان سببًا في نزولها دخولًا أوليًا.

فإن قلت: السورة بكاملها مكية بلا خلاف، والأذان إنما شرع بالمدينة.

قلت: يجعل هذا من باب ما تأخر حكمه عن نزوله، وكم في القرآن من هذا النوع، وإليه ذهب بعض الحفاظ كابن حجر وغيره.

فائدة: وأول من أذن في السماء جبرائيل (١)، ثمَّ ميكائيل عليهما السلام عند


(١) روح البيان.