للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الغلظة والفظاظة في قولهم: {قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ}. وقولهم: {لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ}.

والخلاصة (١): أن فعلك أيها الرسول حسنة، وأن فعلهم سيئة، فإنك إذا صبرت على أذيتهم وجهالتهم، وتركت الانتقام منهم ولم تلتفت إلى سفاهتهم .. فقد استوجبْتَ التعظيم في الدنيا، والثواب في الآخرة، وهم بالضد من ذلك، فلا يكن إقدامهم على تلك السيئة مانعًا لك من الاشتغال بهذه الحسنة.

وإذا فسرت (٢) {الْحَسَنَةُ} و {السَّيِّئَةُ} بالجنس، على أن يكون المعنى: لا تستوي الحسنات، إذ هي متفاوتة في أنفسها كشعب الإيمان التي أدناها إماطة الأذى، ولا السيئات لتفاوتها أيضًا، من حيث إنها كبائر وصغائر .. لم تكن زيادة {لَا} الثانية لتأكيد النفي على ما أشار إليه في "الكشاف".

ولا وجه لتخصيص {الْحَسَنَةُ} بنوع من أنواع الطاعات (٣)، وبتخصيص {السَّيِّئَةُ} بنوع من أنواع المعاصي، فإن اللفظ أوسع من ذلك. وقيل: الحسنة: التوحيد، والسيئة: الشرك. وقيل: الحسنة: المداراة، والسيئة: الغلظة. وقيل: الحسنة: العفو، والسيئة: الانتصار. وقيل: الحسنة: العلم، والسيئة: الفحش.

ثم ذكر بعض الحسنات، ووضحها بذكر بعض ضروبها، فقال: {ادْفَعْ} أيها الرسول السيئة حين اعترضتك من بعض أعاديك {بـ} الخصلة {الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} ما يمكن دفعها به من الحسنات، كالإحسان إلى من أساء، فإنه أحسن من العفو.

والمعنى: أي ادفع سفاهتهم وجهالتهم بالطريق التي هي أحسن الطرق، فقابل إساءتهم بالإحسان إليهم، والذنوب بالعفو، والغضب بالصبر والإغضاء عن الهفوات واحتمال المكاره، فإنك إن صبرت على سوء أخلاقهم مرةً بعد أخرى، ولم يقابل سفههم بالغضب، ولا أذاهم بمثله .. استحيوا من ذميم أخلاقهم، وتركوا قبيح أفعالهم.

وكان - صلى الله عليه وسلم - يقول: "صِلْ من قطعك، واعفُ عمن ظلمك، وأحسنْ إلى من أساء


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) الشوكاني.