للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال محمود الورّاق:

سَأُلْزِمُ نَفْسِيْ الصَّفْحَ عَنْ كُلِّ مُذْنِبٍ ... وَإِنْ كَثُرَتْ مِنْهُ لَدَيَّ الْجَرَائِمُ

فَمَا النَّاسُ إِلَّا وَاحِدٌ مِنْ ثَلاَثَة ... شَرِيْفٌ وَمَشْرُوْفٌ وَمِثْلٌ مُقَاوِمُ

فَأمَا الَّذِيْ فَوْقِيْ فَأَعْرِفُ قَدْرَهُ ... أتَبِّعُ فِيْهِ الْحَقَّ وَالْحَقُّ لَازِمُ

وَأمَّا الَّذِيْ دُوْنِيْ فَإِنْ قَالَ صُنْتُ عَنْ ... إِجَابَتِهِ عِرْضِيْ وَإنْ لَامَ لاَئِمُ

وَأمَّا الَّذِيْ مِثْلِيَ فَإِنْ زَلَّ أَوْ هَفَا ... تَفَضَّلْتُ إِنَّ الْفَضْلَ بِالْحِلْمِ حَاكِمُ

وقال آخر:

إِنَّ الْعَدَاوَةً تَسْتَحِيْلُ مَوَدَّةً ... بِتَدَارُكِ الْهَفَوَاتِ بِالْحَسَنَاتِ

و {إذا} في (١) قوله: {فَإِذَا الَّذِي}: للمفاجأة، ظرف مكان لمعنى التشبيه، وهذا مبني على القول باسميتها، وجاز تقدم هذا الظرف على عامله المعنوي، مع أنه لا يجوز تقديم معموله عليه؛ لأنه يغتفر في الظروف ما لا يغتفر في غيرها، والموصول: مبتدأ، وجملة التشبيه: خبره، والتقدير: فالذي بينك وبينه عداوة، مشبهه في المحبة بالصديق الحميم وقت فعلك ما ذكر.

والمعنى: فإذا فعلت مع عدوك ما ذكر .. فاجأك في الحضرة انقلابه وصيرورته مشابهًا في المحبة بالصديق الذي لم تسبق منه عداوة. اهـ شيخنا.

٣٥ - ثم نبه إلى عظيم فضل هذه الطريقة بقوله: {وَمَا يُلَقَّاهَا}؛ أي: وما يلقى هذه الخصلة الحميدة والفعلة الجميلة، وهي دفع السيئة بالحسنة.

وقرأ طلحة بن مصرف وابن كثير (٢): {وما يلاقاها} من الملاقاة من باب فاعل المعتل، وقرأ الجمهور {وما يلقى} من التلقية من فعل المضعف كزكى، كأن هذه الخصلة الشريفة غائبة؛ أي: ما يصادفها وما يوافقها وما يعطاها {إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا} على تحمل المكاره، وتجرع الشدائد، وكظم الغيظ، وترك الانتقام؛ أي: إلا الذين شأنهم الصبر، فإنه يحبس النفس عن الانتقام؛ أي: وما يقبل هذه الوصية ويعمل بها إلا الصابرون على تحمل المكاره، وتجرع الشدائد، وكظم الغيظ، وترك


(١) الفتوحات.
(٢) البحر المحيط.