للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الانتقام، فإن ذلك يشق على النفوس، ويصعب احتماله في مجرى العادة، إلا على من عصمه الله تعالى ووفقه.

وقال أنس بن مالك - رضي الله عنه - في تفسير ذلك: الرجل يشتمه أخوه فيقول: إن كنت صادقًا .. غفر الله لي، وإن كنت كاذبًا .. غفر الله لك {وَمَا يُلَقَّاهَا}؛ أي: وما يوفّقها {إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}؛ أي: إلا صاحب نصيب وافر، وحظ كامل من السعادة في الدنيا والاخرة، ومن الفضائل النفسانية (١)، والقوة الروحانية، فإن الاشتغال بالانتقام لا يكون إلا لضعف النفس وتأثرها من الواردات الخارجية، فإن النفس إذا كانت قوية الجوهر .. لم تتأثر من الواردات الخارجية، وإذا لم تتأثر منها .. لم يصعب عليها تحمّل المكاره، ولم تشتغل بالانتقام.

والحاصل: أنه يلزم تزكية النفس حتى يستوي عندها الحلو والمرّ، ويكون حضور المكروه كغيبته، ففي الآية مدح لهم بفعل الصبر، وقال قتادة: الحظ العظيم: الجنة؛ أي: وما يلقاها إلا من وجبت له الجنة، وقال الجنيد: وما يوفق لهذا المقام، إلا ذو حظ عظيم من عناية الحق فيه، وقال ابن عطاء الله: إلا ذو معرفة بالله وأيامه، والحظ: النصيب المقدّر.

٣٦ - ثم ذكر طريقًا لمنع تهييج الشر، ودفع الغضب إذا بدت بوادره، فقال: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ} أصله: إن ما، على أن {إن}: شرطية، و {ما}: مزيدة لتأكيد معنى الشرط، والنزغ: شبه النخس كما في "الإرشاد" شبه به وسوسة الشيطان لأنها تبعث على الشر، وجعل نازغًا على حدّ جدّ جدّه فـ {مِنْ} ابتدائية؛ أي: نزغ صادر من جهته، أو المراد: وإما ينزغنك نازغ وصفًا للشيطان بالمصدر، فكلمة {من}: تجريدية جرّد من الشيطان شيطانًا آخر، وسمّاه نازغًا.

والمعنى: وإن يوسوس إليك الشيطان، ويصرفك عما وصيتك به من الدفع بالتي هي أحسن، ودعاك إلى خلافه .. {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} من شرّه، ولا تطعه {إنَّهُ} سبحانه وتعالى {هُوَ السَّمِيعُ} باستعاذتك {الْعَلِيمُ} بنتتك، وفي جعل ترك الدفع بالأحسن من آثار نزغات الشيطان مزيد تحذير وتنفير، قال الدميري في "حياة


(١) روح البيان.