للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الحيوان": أجمعت الأمة على عصمة النبي - صلى الله عليه وسلم - من الشيطان، وإنما المراد: تحذير غيره من فتنة القرين، ووسوسته له وإغوائه، فأعلمنا أنه معنا لنحترز عنه حسب الإمكان انتهى.

وحاصل المعنى (١): أي وإن وسوس إليك الشيطان ليحملك على مجازاة المسيء .. فاستعذ بالله من كيده وشرّه، واعتصم من خطراته، إنه هو السميع لاستعاذتك منه، واستجارتك به من نزغاته، ولغير ذلك من كلامك وكلام غيرك، العلم بما ألقى في روعك من نزغاته، وحدّثتك به نفسك، وما قصدت من صلاح، ونويت من إحسان.

ومن شياطين الإنس من يفعل مثل هذا، فيصرف عن الدفع بالتي هي أحسن، فيقول لك: إن فلانًا عدوّك الذي فعل بك كيت وكيت، فانتهز الفرصة وخذ ثأرك منه، لتعظم في عينه وأعين الناس، ولا يظنن فيك العجز وقلة الهمة وعدم المبالاة، إلى نحو أولئك من العبارات المثيرة للغضب، التي ربما لا يخطر ببال شياطين الجن، نعوذ بالله من شر كل شيطان.

والخلاصة: إنّ صرفك الشيطان عما شرعت فيه من الدفع بالحسنى .. فاستعذ بالله من شره، وامض لشأنك ولا تطعه.

وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إذا غضبت وكنت قائمًا .. فاقعد، وان كنت قاعدًا .. فقم، فاستعذ بالله من الشيطان" عصمنا الله وإياكم من كيده وشره، ورد مكره إليه، فلا نتوكَّل ولا نعتمد إلا عليه.

فإن قلت (٢): قال هنا: {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} بزيادة {هُوَ} و {أل} وفي الأعراف قال: {إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} بدونهما، فما الفرق بين الموضعين؟.

قلت: بينهما فرق فارق؛ لأنّ {ما} هنا: متصل بمؤكدين: بالتكرار وبالحصر، فناسب التأكيد بما ذكر، و {ما} في الأعراف خال عن ذلك، فجرى على القياس من كون المسند إليه معرفةً والمسند نكرةً.

٣٧ - ثمّ شرع سبحانه في بيان بعض آياته البديعة، الدالة على كمال قدرته وقوة


(١) المراغي.
(٢) فتح الرحمن.