للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تصرفه، للاستدلال بها على توحيده، فقال: {وَمِنْ آيَاتِهِ}؛ أي: ومن دلائل قدرته وحكمته الدالة على وحدانيته {اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ}؛ أي: تعاقبهما واختلافهما بالزيادة والنقصان، قال الإمام المرزوقي: الليل بإزاء النهار، والليلة بإزاء اليوم. {وَالشَّمْسُ} المشتمل عليه النهار {وَالْقَمَرُ} المشتمل عليه الليل؛ أي: تذلُّلهما لما يراد منهما، وقدّم الليل على النهار لسابقيته في الوجود، والشمس على القمر لشرفها عليه بأصالة نورها؛ يعني: تعاقب الليل والنهار على الوجه الذي يتفرّع عليه منافع الخلق، ومصالحهم، وتذلُّل الشمس والقمر لما يراد منهما من أظهر العلامات الدالة على وجوده تعالى ووحدانيته، وكمال علمه وحكمته.

والمعنى (١): أي ومن حجج الله تعالى على خلقه، ودلائله على وحدانيته وعظيم سلطانه الليل والنهار، ومعاقبة كل منهما صاحبه، والشمس ونورها، والقمر وضياؤه، وتقدير منازلهما في فلكيهما، واختلاف سيرهما في السماء، ليعرف بذلك مقادير الليل والنهار، والأسابيع والشهور والأعوام، وبذلك تضبط المعاملات وأوقات العبادات.

ولما كانت الشمس والقمر من أجلّ الأجرام المشاهدة في العالم العلويّ والسفليّ .. نبّه إلى أنهما مخلوقان مسخّران له تعالى، وهما تحت قهره وسلطانه، فلا تعظّموهما وعظّموا خالقهما، فقال: {لَا تَسْجُدُوا} أيها الناس {لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ} لأنهما من جملة مخلوقاته المسخرة لأوامره، يجريان لمنافعكم بإجراء الله إياهما طائعين له في جريهما، وهما لا يستطيعان لكم نفعًا ولا ضرًّا {وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ} الضمير للأربعة (٢)، لأنّ حكم جماعة ما لا يعقل حكم الأنثى، وإن كان المناسب تغليب المذكر، وهو ما عدا الشمس على المؤنث وهو الشمس، أو لأنها عبارة عن الآيات وتعليق الفعل بالكل مع كفاية بيان مخلوقية الشمس والقمر؛ للإيذان بكمال سقوطهما عن رتبة المسجودية، بنظمهما في سلك الأعراض التي لا قيام لها بذاتها، وهو السر في نظم الكل في آياته تعالى؛ أي: فله تعالى فاسجدوا، وإياه فاعبدوا دونهما، لأنهما لا فضيلة لهما في أنفسهما، فيستحقا بها العبادة من دون الله، ولو شاء الله .. لأعدمهما أو طمس نورهما، وفي هذا ردّ على الصابئين،


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.